الدونمة
عبد القادر القادري
نشرت مجلة دعوة الحق الغراء في عددها الثاني في سنتها الثانية من عمرها المديد إن شاء الله، مقالا للأستاذ عبد الكبير الفهري الفاسي سفير المغرب في تركيا و إيران بعنوان: «لا غنى لنا عن #المقدسات» ومما جاء فيه قول كاتبه الفاضل الذي رأى بأم عينيه حنين #الأتراك إلى العودة إلى مقدساتهم وتقاليدهم: «وهل نحن في حاجة إلى التمثيل بتركيا الفتاة وما آل إليه أمرها بعد الانقلاب الكمالي الذي أعقبه مع توالي الأيام رجوع إلى مقدسات يظهر بعضها في سلوك القوم وتسارعهم إلى بيوت الله كلما ناداهم منادي الفلاح، في مساجد رائعة الجمال بالغة أقصى حدود الجلال. فإذا كان الأمر استبدال أمر فالأفضل إبقاء ما كان على ما كان، لأن التجارب حكمت بصلاحيته في كثير من الميادين ولأنه صقلته المحارب، إلى أن قال: ومهما كان للجيل الحاضر في المغرب من حق فالحق الذي لا ينازعه في مشروعيته أحد، هو في مسايرة التطور مع السعي للمحافظة على الصالح من تراثنا في سائر الميادين من غير محاولة للقضاء عليه بأجمعه لأن القضاء على كل تراث خسران مبين».
فمن هم الذين قضوا على تراث المسلمة وأبعدوها عن العروبة والإسلام والمسلمين؟ هم الدونمة. فمن هم هؤلاء الدونمة ومن أين جاءوا إلأى تركيا وماذا فعلوا بها وإلى أين يسرقونها؟
ذلك ما نعرضه في كلمتنا هذه عرضا موجزا لعل فيها عبرة لأولى الأبصار.
يقول الدكتور يحي الخشاب في كتاب "العدوان الثلاثي على مصر" : «متى بدأ #اليهود دورهم في تركيا ؟ كان ذلك أيام السلطان بايزيد الثاني (1461 ـ 1512) وكانت إسبانيا والبرتغال قد صبت اضطهادها على اليهود فيها فوفدوا على تركيا حيث رحب بهم هذا السلطان لأنهم يجلبون معهم ثروات تجعل بلاده أمة غنية. وقويت الجالية اليهودية في تركيا وأصبحت موئلا للجاليات اليهودية في البلاد الأخرى وظهر في تركيا متنبئ يهودي اسمه (شبتاي) وادعى أنه المسيح المنتظر، وهو من سلالة يهود اسبانيا الذين ولدوا في أزمير وذهب إلى بيت المقدس والتف حوله اليهود، وأعلن أن الأوان قد حان لعودة إسرائيل، وكثر إتباعه وأصبح ملكا لكل اليهود في العالم. وفي سنة 1666 عاد إلى استنبول حيث اعتقل وجييء به أمام السلطان محمد خان الرابع فأسلم بعد أن ترك إتباعا له كثيرين هم المعروفون في تركيا باسم جماعة (الدونمة) أي اللذين تحولوا عن اليهودية ودخلوا الإسلام وقد مات (شبتاري) بعد ذلك بعام واحد في البانيا، وهكذا أصبح اليهود في تركيا صنفين : صنف بقي على ملته وصنف تحول عنها إلى الإسلام.
والجالية اليهودية التي هاجرت إلى تركيا دخل كثير منها في الإسلام لتحقيق مآربهم الخاصة والعامة واستغل هؤلاء النزعات التركية الحديثة فدخلوا بين أعضائها لا يبغون منها سوى الغايات التي دخلوا الإسلام من أجلها وهم يضمرون اليهودية، شأنهم شأن اليهود في اسبانيا الذين شغلوا الأديرة ليدنوها وشغلوا مناصب محكمة التفتيش ليزيدوها قسوة وفسادا...
وظهر نفوذ اليهود واضحا أيام السلطان عبد الحميد الثاني كما يقول المغفور له شيخ الإسلام مصطفى صبري أفندي، وأخذوا يسعون عنده ليسمح بهجرة الصهيونيين إلى فلسطين. ويذكر أن نائب سالونيك SALONIQUE اليهودي ـ قره صو ـ قابل السلطان مندوبا عن اليهود وفاتحة برجائهم المتعلق بالهجرة إلى فلسطين مع تقديم رشوة قدرها خمسون مليونا من الجنيهات الذهبية لخزينة الدولة وخمسة ملايين منها لخزانة السلطان الخاصة. ولكن السلطان عبد الحميد الذي تعرض لأدهى حملة وجهت في التاريخ إلى سلطان وإلى الدولة، رده ردا عنيفا وطرده من حضرته. وهذا النائب اليهودي ـ قره صو ـ كان واحدا من اللجنة الخماسية التي أوفدها البرلمان العثماني لتبليغ السلطان عبد الحميد قرار خلعه. وسارت عجلة الزمان وذهب عبد الحميد ورشاد وجاء وحيد الدين، وحزب (الدونمة) في تركيا يتغلغل في المناصب ويستغل التيارات التجديدية في تركيا ويبت سمومه، وبدأ تقسيم البلاد العربية، وانتهى الأمر بأن تستولي انجلترا على فلسطين مع الوعد المشهور بأن تكون لليهود مستقرا ودولة، وعلى أن تأخذ انجلترا العراق وعلى أن تحتل فرنسا سوريا، وعلى هذا النحو نجح الثالوث الفرنسي الإنجليزي اليهودي في تقسيم البلاد العربية الشرقية، وابتعدت تركيا عن الدين الإسلامي ولعب «الدونما» ويلعبون هناك دورهم كحكام بعدين كل البعد عن الشعب التركي المسلم الوفي للمسلمين.»
وقال أمير البيان شكيب أرسلان رحمه الله في تعليقاته على كتاب "حاضر العالم الإسلامي" : «إن قادة المسلمين أنفسهم أدركوا حق الإدراك أن تركيا الفتاة تدير دفة سفينتها عصبة من الجحدة الغربيين غالبهم ليس من المسلمين إلا أسما ، بل هم من زنادقة اليهود ففي سالونيك طائفة يقال لها (الدومنة) أي العائدون المنيبون، أصلهم يهود من مهاجري إسبانيا الذين خرجوا منها مع عرب الأندلس، وقد أسلموا منذ نحو أربعمائة سنة، ولكن إسلاما مشوبا ببعض عقائدهم الأصلية، ولما كانوا المثل البعيد في الحصافة والذكاء والقيام على الأمور المالية بنوع خاص، كان الدور الذي يمثلونه في الهيئة الاجتماعية التركية أعظم جدا مما يستحقه عددهم، وكان منهم أناسا يعدون أركاننا في جمعية الإتحاد والترقي.»
ويقول الكاتب الفرنسي المسيحي (بيير هبيس) في كتابه "جمهورية إسرائيل العالمية"، الذي طبع ببيروت حيث رفضت المطابع الأوروبية والأمريكية طبعه بسبب سيطرة الصهيونية العالمية على المطابع هناك : «إن الدونما ويعني بهم اليهود الذين اسلموا، كثيرين، منهم مدحت باشا حاكم ولاية الدنوب الذي كان ابن حاخام هنغاري وهو الذي أنشأ المدارس اليهودية في الشرق الأدنى. وكان قادة حزب الإتحاد والترقي من الدونمة وكذلك مصطفى كمال، والدكتور ناظم، وفوزي، وطلعت، ونعوم أفندي وغيرهم...»
وبديهي أن يذكر الأستاذ جبران شامية في هذا المجال مصطفى كمال ليقول عنه : «كان مصطفى كمال ورفاقه الذين وضعوا أسس نهضة تركيا الحديثة مقتنعين بضرورة اللحاق بمجرى المدنية الغربية، وبأن هذا اللحاق يقتضي التخلص من القيود الدينية، ففرضوا العلمانية واستبقوا تكامل الوعي الشعبي الذي يتطلبها».
ويعلق الأستاذ محمد الغزالي في كتابه "ظلال من الغرب" على ما قاله جبران شامية فيقول: «وظاهر من هذه الشهادة أن المقصود بالدين هو دين الإسلام، فهو دين الكثرة التي تقطن الشرق العربي، وهو الميراث الروحي والسياسي الذي تنكر له القائد التركي مصطفى كمال وأقصى شرائعه كلها عن الدولة. وبذلك أسس نهضة باركتها دول الغرب وحنت عليها بعد طول خصام، ومطلوب منا ـ لكي نظفر بالثمرات التي جنتها تركيا ـ أن نجنح إلى العلمانية وأن نطلق هذا الإسلام تطليقة لا عودة فيها...»
ومن الخير أن نثبت هنا زيادة على ما أثبتناه أعلاه كلمة للأستاذ أسامة عيتاني قال فيها: «في الأستانة جماعة من المسلمين الأتراك أصلهم من اليهود الذين اعتنقوا الإسلام ظاهرا في سلانيك، وبقوا متمسكين بيهوديتهم الهدامة، إنهم يعرفون بالدونمة ويعتزون كثيرا بأتاتورك، ويعتقدون اعتقادا راسخا أنه منهم، وحجتهم في ذلك إن أتاتورك أسفر عن نياته ضد الإسلام حين تولى الحكم ورسخت أقدامه فيه. فقد ألغى التعليم الديني وأغلق عددا كبيرا من المساجد وهدم أحدها في (هيبلي أغا) لأن العازفين على الموسيقى وقفوا عزفهم احتراما لآذان..!!»
هؤلاء (الدونمة) يسميهم الأتراك المسلمون (الطابور الخامس) إنهم يتمسكون بشعائر الدين ظاهرا في سبيل مصالحهم الخاصة بيد إنهم لا يتوانون عن الدس والتهديم كلما سنحت لهم الفرصة.
ويقول الأستاذ محمد عزت دروزة في كتابه "تركيا الحديثة" : «إن للدونمة يدا في تحويل عطلة الأسبوع من الجمعة إلى الأحد، وإبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية.» وقد قال الأستاذ صالح جودت المحرر بمجلة "المصور المصرية" في معرض حديثه عن الرحلة التي قام بها في تركيا ونشرت في مجلة المصور في سنتنا هذه: «إن سلطان الدونمة على الصحافة والجيش والتعليم والسياسة في تركيا الكمالية ما زال واضحا ملموسا رغم أن كمال أتاتورك مات منذ أمد بعيد يعني 1938 م وأن رفيقه في الكفاح عصمت اينوني أقصى عن الحكم...»
واسم الدونما يكتب ويلفظ بالعربية هكذا: الدونمة أو الدونما، وكان الأتراك يكتبونه بالعربية (الدونمي) ويكتوبنه هم اليوم بالحروف اللاتينية: Doumé أفبعد هذا يقال أن الأتراك الأفندية Les jeunes tures المسلمين هم الذين أبعدوا تركيا عن العرب والإسلام والمسلمين !
[مجلة دعوة الحق العدد 16]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق