عودة إلى وثنية نصب التماثيل
الشيخ أحمد محمد شاكر
عن أبي زرعة قال: دخلت مع أبي هريرة دار مروان بن الحكم فرأى فيها تصاوير، وهي تبنى، فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((يقول الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي! فليخلقوا ذرة، أو فليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة)).
في عصرنا هذا كنا نسمع عن أناس كبار ينسبون إلى العلم، ممن لم ندرك أن نسمع منهم، أنهم يذهبون إلى جواز التصوير كله، بما فيه التماثيل الملعونة تقربا إلى السادة الذين يريدون أن يقيموا التماثيل تذكرا لآبائهم المفسدين، وأنصارهم العتاة أو المنافقين، ثم تقربا إلى العقائد الوثنية الأوروبية، التي ضربت على مصر و على بلاد الإسلام الغاصبين، وتبعهم في ذلك المقلدون و الدهماء، أتباع كل ناعق، حتى امتلأت بلاد المسلمين بمظاهر الوثنية السافرة، من الأوثان و الأنصاب، ومن تعظيمها وتبجيلها، بوضع الأزهار و الرياحين عليها، و بالتقدم بين يديها بمظاهر الوثنية الكاملة حتى بوضع النيران أحيانا عندها.
و كان من حجة أولئك الذين شرّعوا لهم هذا المنكر أول الأمر، الذين أجازوا نصب التماثيل بالفتاوى الكاذبة المضللة: أن تأولوا النصوص بربطها بعلة لم يذكرها الشارع ولم يجعل مناط التحريم هي - فيما بلغنا- أن التحريم إنما كان أول الأمر لقرب عهد الناس بالوثنية.
أما الآن وقد مضى على ذلك دهر طويل، فقد ذهبت علة التحريم ولا يخشى على الناس أن يعودوا لعبادة الأوثان!!
ونسي هؤلاء ما هو بين أيديهم من مظاهر الوثنية الحقة بالتقرب إلى القبور و أصحابها، واللجئ إليها عند الكروب و الشدائد.
و أن الوثنية عادت إلى التغلغل في القلوب دون أن يشعر أصحابها، بل نسوا نصوص الأحاديث الصريحة في التحريم وعلة التحريم!!
كنا نعجب لهم من هذا التفكير العقيم، و الإجتهاد الملتوي! وكنا نظنهم اخترعوا معنى لم يسبقوا إليه، و إن كان باطلا، ظاهر البطلان. حتى كشفنا بعد ذلك أنهم في باطلهم مقلدين، و في اجتهادهم و استنباطهم سارقين!!
فرأينا الإمام الحافظ الحجة ابن دقيق العيد المتوفي سنة ٧٠٢ هـ، يحكي مثل قولهم و يرده أبلغ رد، وبأقوى حجة، في كتابه، "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (جـ ١/ص ٣٥٩ -٣٦٠) بتحقيق الأخ الشيخ حامد الفقي، ومراجعتنا، و ( جـ ٢/ ص ١٧١ -١٧٣) مــن الطبعة المنيرية ، في جرح حديث عائشة: أن رسول الله ﷺ قال: (( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شر الخلق عند الله)).
فقال ابن دقيق العيد: ( فيه دليل على تحريم مثل هذا الفعل، و قد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير ووالصور، ولقد أبعد غاية البعد من قال: إن ذلك محمول على الكراهة، و أن هذا التشديد كان في ذلك الزمان، لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان، وهذا الزمان -حيث انتشر الإسلام و تمهدت قواعده- لا يساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في هذا التشديد!!
وهذا القول عندنا باطل قطعا لأنه قد ورد في الأحاديث الإخبار عن أمر الآخرة، بعذاب المصورين، و أنه يقال لهم أحيوا ما خلقتم، وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل، وقد صرح بذلك في قوله عليه السلام: (( المشبهون بخلق الله))، وهذه علة عامة مستقلة مناسبة، لا تخص زمانا دون زمان، وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي، يمكن أن يكون هو المراد، مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره، وهو التشبه بخلق الله).
هذا ما قال ابن دقيق العيد، منذ أكثر من ٦٧٠ سنة، يرد على قوم تلاعبوا بهذه النصوص، في عصره أو قبل عصره، ثم يأتي هؤلاء المفتون المضللون، و أتباعهم المقلدون الجاهلون، أو الملحدون و الهدّامون، يعيدونها جذعة، ويلعبون بنصوص الأحاديث، كما لعب أولئك من قبل!!
ثم كان من أثر هذه الفتوى الجاهلة أن ملئت بلادنا بمظاهر الوثنية كاملة، فنصبت التماثيل، وملئت بها البلاد، تكريما لذكرى من نسبت إليه تعظيما! ثم يقولون لنا إنها لم يقصد بها التعظيم!
ثم ازدادوا كفرا ووثنية، فصنعوا الأنصاب ورفعوها تكريما لمن صنعت لذكراهم، وليست الأنصاب مما يدخل في التصوير، حتى يصلح لهم تأويلهم! إنما هي وثنية كاملة صرفة، نهى الله عنها في كتابه، بالنص الصريح الذي لا يحتمل التأويل.
وكان من أثر هذه الفتوى الجاهلة أن صنعت الدولة و هي تزعم أنها إسلامية، في أمة إسلامية، ما سمّته "مدرسة الفنون الجميلة"، أو "كلية الفنون الجميلة"! صنعت معهدا للفجور الكامل الواضح! ويكفي للدلالة على ذلك أن يدخله الشبان الماجنون، من الذكور و الإناث، إباحيين مختلطين، لايردعهم دين ولا عفاف ولا غيرة.
[مجلة التوحيد السنة 21 العدد 5]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق