السبت، 14 ديسمبر 2024

الحدود الشرعية كما يفهمها العلماء | الشيخ أحمد محمد شاكر (رحمه الله)


                  


الحدود الشرعية كما يفهمها العلماء 

الشيخ أحمد محمد شاكر (رحمه الله)

(خَمَّارَةٌ حَقِيقِيَّةٌ)

إن حوادث القاهرة في يوم السبت ٢٦ يناير سنة ١٩٥٢، لا تكاد تنسى. فهي أشد ما رأينا من الفظائع و الإجرام بما كان فيها من عدوان و بغي، وسرقة و تدمير، دون أن يردع المجرمين رادع، و السلطة القائمة الآن بسبيل وضع اليد على المجرمين اللصوص، وعلى من وراءهم من المحرضين و المدبرين، ونحن على ثقة من وصول يد العدل إلى هؤلاء و أولئك، إن شاء الله.

ولكن لنا عبرة في بعض النواحي التي تكشف عنها هذه الأحداث المدمرة فمن مثل ذلك أنا كنا نسمع ونحن أطفال صغار، ثم شبان ناشئون، أن يطلق العامة و أشباههم على (لوكندة شبرد) اسم (خمارة شبت) وكنا لا نعرف ما وراء هذا الإسم من حقيقة فظيعة، لم يكن خيالنا ليصور وجودها في بلد (إسلامي) أو هكذا يسمى. حتى جاءت هذه الأحداث الفظيعة، فكشفت لنا بعض هذه الحقائق المنكرة. وما ندري أيهما أشد فظاعة و أنكى؟ أهذه الحوادث أم هذه الحقائق؟!! حتى أعلمتنا هذه الحقائق أن العامة في طفولتنا كانوا: إما ملهمين، و إما عارفين.

فقد رأينا في بعض الصحف التي تصف ما لقيت (لوكندة شبرد) من التدمير أن قبو الفندق كان يحتوي على أكثر من ٢٦ ألف صندوق من صناديق الويسكي، و قد ضاعت كلها في الحريق، وذلك يعني أن مخزون الويسكي بالفندق زاد  على ربع مليون زجاجة. كما يقولون، إن نحو مائة ألف زجاجة شمبانيا قد ذهبت هي الأخرى طعمة للنيران. كما دمرت عدة صناديق من الكونياك نابلوين، وعمر الزجاجة الواحدة منه أكثر من ٧٠ سنة. وكانت إدارة الفندق تحتفظ بهذه الزجاجات ولا تقدمها إلا لنزلائها من الملوك، فإذا صدق ما قيل من أن المواد الكحولية هي التي ألهبت الحريق، وكانت السبب المباشر للتدمير الشامل، فإن ذلك يعني أن حريق شبرد قد غدَّته هذه المشروبات الروحية بأكثر من ٧٠٠٠٠ سبعين ألف جالون من المواد الكحولية الملتهبة (عن جريدة الأساس يوم الأربعاء ١٧ جمادى الأولى سنة ١٣٧١- ١٣ فبراير سنة ١٩٥٢).

إذن فلم يكن (شبرد) فندقا، أو لوكندة كما يسمى: بل كان (خمارة حقيقية) هي أجدر باسم (خمارة شبت) كما كان يسميها العوام و الدهماء.

إذن فقد كان وصمة عار في جبين بلد يوصف بأنه (بلد إسلامي)، وفي جبين دولة ينص دستورها على أن "دين الدولة الإسلام".

وها نحن أولاء نرى الأخبار تبشر البلاد، بأن شركة مصرية قد تتشرف بإعادة هذه " الخمارة" إلى سابق مجدها المخزي المخجل! وما ندري ما حقيقة هذا؟ ولكنا على ثقة بأن سيعود هذا الخزي و الفجور سافرا متهتكا، سواء أقامه ناس من الحيوانات الأوربية المنحلَّة، أم أقامه ناس من عبيدهم عقلا وروحا ممن ينتسبون عارا بحق الولادة إلى هذه الأمة المسكينة!

وما كانت خمارة "شبت" وحدها بالعار الذي تخزى به هذه الأمة المنتسبة إلى الإسلام. ولكن الحوادث أظهرتها مصادفة مثالا بارزا يتحدث عنه.

وأرى أنه يجب على الأمة الإسلامية عامة، وعلى الأمة المصرية خاصة. أن تحدد موقفها من الدين و الخلق، ثم من الدنيا و متاعها. و أنا أعرف ما سيتحدث به عبيد أوربا و عبيد المال، من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وممن لا يستطيعون الصبر عن تلمس المتعة حيث كانت، وممن لا يستطيعون الصبر عن "الفن و الجمال"!! وعن الشهوات وعبادة المال.

أتريد هذه الأمة أن تعبد الله وحده، و تقف عند حدوده التي أمر بها كل من انتسب إلى الإسلام، أم تريد أن تعبد المال وحده، فتحرص على وروده من أوربا من أي طريق كان، ولو من طريق التهتك و الفجور؟!

على الأمة أن تختار أحد الطريقين: فإما إلى الجنة و إما إلى النار.

ولكن، فليعلم المسلمون أن رسول الله ﷺ قال: (( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه)) حديث صحيح، رواه أحمد.

وليعلموا أن رسول الله ﷺ قال: (( لعن الله الخمر، ولعن شاربها وساقيها وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها)) فليختر امرؤ لنفسه. حديث صحيح، رواه الإمام أحمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني PKK | تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني pkk   تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي. "لماذا تعتبر تركيا محاربة تنظيم حزب العمال الكرد...