المقومات العملية لوجود الأمة
القوية
مختار الطيباوي
بسم
الله الرحمن الرحيم
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم
إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ،ولزوم جماعة المسلمين ))
فهذا النص المفصلي في بناء الأمة يحث على الاجتماع و الائتلاف
عندما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ذكره وهو يعلم، أو قد سبق منه وأن ذكر حديث
الافتراق وأحاديث الفتن،فيجب أن يكون هذا الحديث هو علاج هذا الأمر القدري الذي
كتبه الله على هذه الأمة.
ومعلوم أن أهل السنة مذهبهم منازعة القدر بالأمر الشرعي،فحديث
الافتراق حديث من باب الإخبار عما سيكون، وهذا الحديث حديث أمر و نهي ،مما يدل على
أنه العلاج لتجاوز سلبيات الافتراق حتى لا تزول الأمة ككيان مادي له مقومات مادية
( عملية).
فهل القضايا النظرية التي نصبتها كل طائفة على أنها قضية الدين
الجوهرية، و التي بدونها لا يكون الدين هي القضايا التي بها تكون الأمة موجودة
عمليا أو لا تكون موجودة أم لا؟
فما الذي لا يمكن أن يتحقق المعنى الذي جاء في هذا الحديث إلا
به ؟
هل هو القضايا المذهبية على اختلاف دراجتها (؟)
هل هو النظريات أقصد القضايا النظرية كالكلامية و الفرعية
المذهبية وما يلتحق بها من قضايا منهجية ؟
هل قضايا المستحبات و الواجبات المعجوز عنها (؟)
في نظر ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أنه لا يتحقق معنى هذا الحديث
أي الائتلاف و الاجتماع إلا بالعمل بحديث عملي آخر هو قوله صلى الله عليه وسلم :
((وليأت إلى الناس الذي يجب أن يؤتى إليه))
فهل نحن نعمل بهذين الحديثين: نخلص العمل لله ، ونناصح ولاة
الأمور بالإرشاد و التنبيه و الحث على الواجبات المقدورة لهم،و الأعذار في
الواجبات المعجوز عنها.
و المناصحة كالمراجعة و المواجهة و المعاينة و المشفاهة و
المراهنة والمشاتمة والمقاتلة والمضاربة و المشاركة والمعاونة على وزن مفاعلة أي
مفاعلة من الجانبين تستدعي الفعل من طرفين و المناصحة مفاعلة من النصيحة، وهي صيغة
تقتضي في الأغلب المشاركة من جانبين أو فريقين في أمر، ولا بد في كل مفاعلة إذا
كانت بمعنى أصلها الثلاثي من أن تحمل معنى زائداً على الأصل، لزيادة لفظها، يعني
دوام النصح و امتداده .
ونلزم جماعة المسلمين التي هي كما في نصوص أخرى السواد الأعظم
وليس جماعتك أم صرنا نكفر السواد الأعظم ، ونضلله ونبدعه و نفسقه مع تقصير فادح في
تبليغ الدين له،وهل يمكن أن تنجح أية دعوة يعاديها السواد الأعظم (؟)
وهل نأتي الناس ( المخالفين لنا) ما نحب أن نؤتى إليه ، فكلنا يحب
أن يحترم ،وان يخاطب بلطف، وان ينصح بالتي هي أحسن ،وأن يرشد إلى الحق باللين و
الحلم، ويحب أن يصبر عليه وغير ذلك فهل نعامل المخالف بهذا (؟)
إن هذا الحديث تضمن القدر الواجب أو الحد الأدنى لوجود الأمة
الوجود المادي الذي هو شرط لوجود سائر المقومات الأخرى.
وقد صار هذا الحديث هو القدر الواجب لأنه مقرون
بالإيمان،فالمؤمن في ظل حال الأمة الآن هو الذي يعمل بموجبات هذا الحديث مع شرطه،و
لابد فِي الْإِيمَان من التعاون والتناصر على فعل مَا يُحِبهُ الله تَعَالَى وَدفع
مَا يبغضه الله تَعَالَى،وفي المشترك الكثير منه.
آلا ترون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما يسأل عن الأعمال
التي تدخل الجنة وتنجي من النار يذكر فعل الواجبات و ترك المحرمات الفردية، بينما
هذا الحديث هو واجب جماعي أي من الواجبات التي تتعلق بجماعة المسلمين بالأمة.
و السؤال ما الذي منع المسلمين وأقصد هنا الجماعات السنية على
اختلاف دراجتها من العمل بموجب هذا الحديث إلا النظريات التي نصبتها أمام عينها
وجعلتها هي الدين كل الدين؟!
ألستم تجتمعون على اختلاف مذاهبكم على إمام واحد في الصلاة ،و
الحج، و العيد، و الاستسقاء، و الجمعة، فلمَ لا تجتمعون على التمكين لما أجمعت عليه
الأمة هو الأمر و النهي ؟
فهل يجب أن يمنع الاجتماع الخاص ( الطائفة) من الاجتماع العام ،
اجتماع الأمة (أهل السنة)؟
دعونا ممن شذ وخرج على الأمة بالسيف فهذا لا وعي له، وهو إلى
طريق مسدود.
إن روح الاجتماع من أبرز ما حث عليه الإسلام فحتى في السفر حث
على تأمير واحد والمقصود من التأمير الاجتماع لا الإمارة في حد ذاتها.
و الجمعة اجتماع، و العيد اجتماع، و الحج اجتماع ، ورمضان اجتماع،
و الفريضة اجتماع وكل شيء في الإسلام اجتماع، ونحن جعلناه افتراق.
طيب أن اعلم أن السلفي يقول في نفسه أنا على هدي السلف من
الخلفاء و التابعين فكيف اجتمع مع من خالف منهجهم (؟)
فإليك الحل العملي من عند شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله
ــ فإن لم تفهمه فإن الحق الذي أنت عليه سيكون في جانب ما باطلا يضعف الأمة، و
يذهب ريحها .
((يجب علينا أن نرجح عند
الازدحام و التمانع خير الخيرين،وندفع عند الاجتماع شر الشرين،ونقدم عند التلازم
(تلازم الحسنات و السيئات) ما ترجح منها فإن غالب رؤوس المتأخرين وغالب الأمة من
الملوك و الأمراء و المتكلمين و العلماء و العباد وأهل الأموال يقع غالبا فيه ذلك .
وأما الماشون على طَريقَة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فليسوا أكثر
الْأمة، وَلَكِن على هَؤُلَاءِ الماشين على طَريقَة الْخُلَفَاء أن يعاملوا
النَّاس بِمَا أمر الله بِهِ وَرَسُوله من الْعدْل بَينهم، وإعطاء كل ذِي حق حَقه،
وإقامة الْحُدُود بِحَسب الإمكان إذ الْوَاجِب هُوَ الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَفعله،
وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَتَركه بِحَسب الإمكان، فَإِذا عجز أتباع الْخُلَفَاء
الرَّاشِدين عَن ذَلِك قدمُوا خير الخيرين حصولا وَشر الشرين دفعا ))( الاستقامة)
الخلاصة أنه حينما تكون على هدي الخلفاء الراشدين فهذا جيد لك
وللأمة،وقد أديت واجب الاتباع، لكن يبقى عليك واجبك اتجاه الأمة،فإما تعمل معها
بحسب الإمكان في إصلاح حالها، ولا تجعل محاولتك لإصلاحها وسيلة لإضعافها و
تشتيتها، و زيادة في هوانها وتطويلا لمدة مرضها.
فهناك واجب النصح، وواجب الحفاظ، واجب التصحيح العلمي، وواجب
الألفة و الاجتماع ، ذلك أن بعضا ممن يرى نفسه على هدي السلف الصالح قد زاد في
أكبر أمراض الأمة وهو التفرق و التعادي و التحارب، كمن أدى فرضا وأضاع فرضا.
فلا يجب أن يمنعك استقلالك في المختلف فيه على التعاون في
المشترك.
وقد اقتضت الفطرة التعاون بسبب الاشتراك و التجاور،فالناس
يتعاونون لأنهم مشتركون في أشياء فجلب المنفعة المشتركة و دفع الضرر المشترك فطرة
في الناس.
فالاشتراك و التعاون إما يثبته فيهم الوعي و الفهم وغما يثبته
الاشتراك في أصل أو نسب أو لغة مما هو من خلق الله تعالى ولذلك قال الله تعالى ـ
كما أشار إليه ابن تيمية ـ {وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام}.
فالعمل المشترك لأجل إصلاح الأمة في المشترك فيه إما سببه الفهم الدقيق أو رحم السنة بيننا.
قال ابن تيمية في ( جامع الرسائل)(): (( فَلَا يفرق بَين الْمُؤمنِينَ لأجل مَا يتَمَيَّز بِهِ بَعضهم عَن بعض مثل الْأَنْسَاب والبلدان والتحالف على الْمذَاهب والطرائق والمسالك والصداقات وَغير ذَلِك بل يعْطى كل من ذَلِك حَقه كَمَا أَمر الله وَرَسُوله وَلَا يجمع بَينهم وَبَين الْكفَّار الَّذين قطع الله الْمُوَالَاة بَينهم وَبَينه فَإِن دين الله هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا)).
فيجب الحذر من أن يكون في دعوتنا من الشر و الفساد أكثر مما هو
موجود في الأمة في هذا الجانب.
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق