السبت، 12 يناير 2013

توحيد الصيام والأعياد | الشيخ الفاروقي الرحالي (رحمه الله)



توحيد الصيام والأعياد

الشيخ الفاروقي الرحالي (رحمه الله)

 كانت مجلة دعوة الحق قد نشرت في بعض أعدادها الصادرة موضوع توحيد الصوم والإفطار في رمضان وتعميم الحكم فيه بين سائر الأقطار الإسلامية، وهو موضوع عظيم يسترعي الانتباه ويستلفت أنظار العالم الإسلامي بأسره لأنه يدخل في صميم عقيدته وحياته.

وكان من الأجدر أن تجري مناقشة في مؤتمر إسلامي عام للخروج بنتيجة حاسمة للخلافات المعروفة، والأقوال المورثة، ثم توصية الحكومات المسلمة بالعمل على تحقيق الفكرة ، وتوثيق العروة بين أمم الإسلام قاطبة.

وذلك بحول الله وقوته ما يضمن نجاح جميع القضايا التي تهم المسلمين في حياتهم. وقد يؤدي التوحيد في المظاهر الدينية إلى التوحيد في مظاهر التشريع_ والاقتصاد_ والسياسة_ وهو ما يتمناه كل مسلم خالص.

وبدلك تتحقق الوحدة الكاملة فتتأكد العلاقات الموجودة وتزداد العناية بمشاكل الإسلام.

ولئن كان المسلمون يعيشون من وراء البحار فانه من الواجب أن يركزوا قوتهم فيما بينهم بتوحيد أسباب دينهم ودنياهم ولا تحول بينهم بتوحيد أسباب دينهم ودنياهم ولا تحول بينهم الحدود لأنهم امة واحدة بشهادة قول الله تبارك وتعالى:"وأن هذه أمتكم امة واحدة".

وهناك ما يدعم هذا المعنى من مادة الإسلام _وقوة العلم_ وحكم الواقع_ إذ نحن في عالم تقارب بعضه من بعض بفضل الوسائل الحديثة، وتطور في العلوم والصناعات إلى ابعد حدود التطور،وتوحد في أسباب عسكرية ، ومصالح الأدبية والمادية وربما يرتبط غدا في أبحاث قضائية فكيف بالذين تربطهم عقيدة الوحدة وتشملهم طبيعة الدين، والذين لم يكن توزيعهم بالكرة الأرضية توزيعا دينيا وإنما كان توزيعا سياسيا.

وان خير ما يؤلف بين أسرة الإسلام، ويجمعها في صعيد واحد، ويجعلها في مأمن من الشر لهو الاعتصام بكتاب الله الذي يمنحها قوة هائلة في الحياة والإنتاج، ويمنعها أن تتفرق في دينها، وتتنازع في أمرها، والاجتماع حول سياسته التي ترسم صراط الحياة المستقيم، وتهدي من امن إلى سبيل السلام.

وان الغاية التي يتوخاها الوحي في توجيهات النفس وتشريعات العمل لا تحقق إلا بوحدة الصف وإحكام الوسائل التي تكفل الوصول إلى امتزاج العناصر الإسلامية بعضها ببعض.

ولا يكون ذلك إلا بانتظام سياستهم العمل لا تتحقق إلا بوحدة الصف وأحكام الوسائل التي تكفل الوصول إلى امتزاج العناصر الإسلامية بعضها ببعض.

ولا يكون ذلك إلا بانتظام سياستهم، والتجاوب مع مشاكلهم ، والرجوع إلى الكتاب والسنة في منازعتهم فذلك هو المنبع الصافي والمشروع الكافي وتلك هي حجة الله على عباده، وهداية الله بين خلقه.

ولكن المسلمين مازالوا يتباعدون بآرائهم، ويتعصبون لمذاهبهم، والاختلاف في الرأي والتعصب للمذهب شيء مقبول إذا كان لا يفضي إلى استحكام الهوى، واستبداد الرأي، والوقوع في اللدد والشغب

وقد تخطيء بعض الآراء فيما يجب اعتماده من النصوص وفيما يعتبر لها من صفات وأحكام، وقد تغفل عن مغزى أخوة الدين ، ووحده الإسلام ، وضرورة التعاون، وقد تتشبث بما كان في ظروف خاصة وتتجاهل ما آل إليه الأمر من جديد.

وعلى ضوء ما أشرنا إليه من الحقائق ، وما أحدثه العلم من تسهيلات في المواصلات والأخبار التي جعلت العالم يتصل بعضه ببعض، وما نراه في العالم الإسلامي ن حركة نحو التوحيد والتضامن_ نعالج المسألة ونوضح أن الأهلة جعلها الله مواقيت للدين والدنيا كما قال سبحانه "يسألونك عن الأهلة جعلها الله مواقيت للدين والدنيا، كما قال سبحانه " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج".

والهلال واحد لا يتعدد بتعدد البلاد _ والشهر ما كان بين هلالين _ والمسلمون عدول بعضهم بعضا في كل بلد _ والله يأمرهم بالتعاون على البر والتقوى _ ومن البر والتقوى الصوم في أول رمضان والفطر في أخره ونبي المسلمين قد أناط الصوم بالرؤية المطلقة_ وخطاب الشريعة شامل لكافة الأمة الإسلامية- ورؤية البعض كافية بمستند الإجماع.

فمتى ثبتت رؤية الهلال بقطر من الأقطار المسلمة وجب الصوم على سائر الأقطار الأخرى إذا بلغها ذلك من طريق موجب للصوم بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم الصوم يوم الصوم الناس والفطر يوم فطر الناس .

وفي ذلك تحقيق للوحدة المطلوبة واعتبار بالنصوص الواردة من دون إقامة وزن للاحتمالات البعيدة. وأما اختلاف المطالع التابع لطبيعة الكرة الأرضية والناتج عن نظام دورتها في الأفاق فلا يحول بين المسلمين أن يتوحدوا مبدئيا في الصوم والإفطار وأن فرقت بينهم ساعات معدودة.وان كان لكل بلد أوقات مخصوصة.

فإذا جاءنا ثبوت الهلال من أي بلد من البلدان بواسطة الهاتف أو برسالة التلغراف وجاء وقت ظهور الهلال في أفقنا فان رأيناه فذلك وان لم نراه لسبب من لأسباب فلا يمنع ذلك دخول الشهر ولزوم حكمه لنا لأنه ثابت برؤية شرعية ولازم لسائر المسلمين كلزوم أحكام اليوم لسائر أهل الأرض من حلول الدين، ووقوع الطلاق، ووجوب النذر ، وغير ذلك.

ولا يستغني عن الرؤية بالأرصاد الفلكية ولا بتقدير منازل الشمس والقمر لأنه خروج عن حكم الشريعة المعلق بأمر ظاهر وذهاب إلى حكم خفي دقيق يتعارفه بعض الناس وهو شيء اعفانا منه الشارع لصعوبة الطريق إليه ولاختلافه بين أهله.

فاختلاف المواقع والمطالع لا أثر له كبير فيما يرجع إلى ثبوت الأهلة وان كان له أثر فيما يرجع إلى المواقيت الخاصة بكل بلد فبعد الاتفاق على أول رمضان يكون فطر كل بلد غروبها وصومها بطلوع فجرها ولذلك فالتفاوت لا يمنع من فكرة توحيد مبدأ الصيام والأعياد اعتمادا على الرؤية إذا بلغت من وجه صحيح.

وحديث كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مراده بالأمر _ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته_وقد فهمه عبد الله بن عباس على اعتبار الرؤية لكل بلد وهو رأي مجتهد ومذهب صحابي فلا يلزمنا وإنما يلزمنا أن نأخذ بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وإذا قال أهل الهيئة أن حالة البلاد الشرقية تختلف عن حالة البلاد الغربية فإننا نقول أن ذلك لا ينافي فكرة الأخذ بالتوحيد ابتداء، ولذلك ذهب إلى تعميم الرؤية من دون فرق بين القريب والبعيد كثير من قادرة الفكر وأصحاب المذاهب المدونة في الإسلام.

وغاية الأمر أن بعض ساعات الليلة الجديدة ستكون من تمام الشهر القديم عند الشرقيين ومن الشهر الجديد عند الغربيين وما وراء ذلك فانه من الشهر الجديد عندهم جميعا.

فإذا تبين فجر اليوم الموالي للرؤية في جزء من أجزاء الليلة الجديدة بادراك ما قبل طلوع الفجر.

أما الأقطار النائية التي لا تشارك قطر الرؤية في أجزاء الليلة الجديدة فإنهم سيكونون في نهار من شعبان وعليهم أن يصوموا النهار التالي وان غامت سماؤهم وتحيرت أبصارهم.

وبعد

فإذا اعتصم المسلمون بوحدة الإسلام الكبرى وعنوا بهذه الدعوة عناية فائقة وتحروا كلهم روية الهلال اثر غروب التاسع والعشرين كما هو الواجب إذ مراقبة الهلال ليلة توقعه فرض على كل مكلف قادر لأنها وسيلة للصيام والوسائل لها حكم المقاصد، فإذا اعتصموا بالتوحيد وتعهدت حكوماتهم بالسهر عليه فانه لا تفوتهم الرؤية وبذلك يقضون على خلافاتهم ويقطعون السنة خصومهم، معتمدين على قول الله تعالى" فمن شهد منكم الشهر فليصمه" وأول مراتب الشهادة العلم كما في قوله تعالى " شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط" فشهود الشهر معناه العلم به بمعنى إن كل من علم الشهر برؤية نفسه أو برؤية غيره في مصره أو في غير مصره وجب عليه الصوم إلا من كان مريضا أو مسافرا وعلى قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، وهو عام في كل مخاطب وعمومه أظهر من غيره.

قال أبو بكر الرازي فان قيل قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته يوجب اعتبار رؤية كل قوم في بلدهم دون اعتبار رؤية غيرهم في سائر البلدان، ويدل على ذلك اتفاق الجميع على أن على أهل كل بلد أن يصوموا لرؤيتهم وان يفطروا لرؤيتهم وليس عليهم انتظار رؤية غيرهم فثبت أن كلا منهم مخاطب برؤية أهل بلده دون غيرهم ، قيل له معلوم أن قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته عام في سائر أهل الأفاق وانه غير مخصوص بأهل بلد دون غيرهم.

وإذا كان كذلك فمن حيث وجب اعتبار رؤية أهل بلد في الصوم والإفطار وجب اعتبار رؤية غيرهم أيضا.

وأما الاحتجاج باتفاق الجميع على أن على أهل كل بلد اعتبار رؤيتهم دون انتظار رؤية غيرهم فإنما ذلك عندنا بشرط أن لا تكون رؤية غيرهم مخالفة لرؤيتهم في حكم العدد فكلفوا في الحال ما أمكنهم اعتباره ولم يكلفوا ما لا سبيل لهم إلى معرفته في ذلك الوقت فمتى يتبين لهم غيره عملوا عليه كما لو حال بينهم وبين منظره سحاب أو ضباب وشهد قوم من غيرهم أنهم رواه قبل ذلك لزمهم العمل على ما خبرهم به دون انتظار رؤية غيرهم فإنما ذلك عندنا بشرط أن لا تكون رؤية غيرهم مخالفة لرؤيتهم في حكم العدد فكلفوا في الحال ما أمكنهم اعتباره ولم يكلفوا ما لا سبيل لهم إلى معرفته في ذلك الوقت فمتى يتبين لهم غيره عملوا عليه كما لو حال بينهم وبين منظرة سحاب أو ضباب وشهد قوم من غيرهم أنهم قد راوه قبل ذلك لزمهم العمل على ما أخبرهم به دون ما كان عندهم من الحكم بعدم الرؤية انتهى.

وإذا رجعنا إلى مذاهب الفقهاء المأثورة وجدنا أن الحنفية والحنابلة وجمهورا من المالكية وطائفة من الشافعية يعممون هذا الحكم في سائر أهل الأرض ويجعلون رؤية الهلال في أي بلد الإسلام سببا لوجوب الصوم على الجميع.

قال الإمام النووي في شرح المهذب نقل ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق بن راهوية انه لا يلزم غير بلد أهل الرؤية، وعن الليث والشافعي واحمد يلزم الجميع قال ولا أعلمه إلا قول المدني والكوفي يعني مالكا وأبا حنيفة.

وهذا كان قبل أن تتقدم وسائل النقل وتتوافر في العالم وأما الآن فان البلاد أصبحت في حكم البلد الواحد فلا مشقة أصلا في الحصول على الأخبار والتقاطها وقد قال عبد المالك بن الماجشون أن البلاد إذا كانت بإمام واحد فهي كالبلد الواحد تعم فيها الرؤية.

فالتوحيد أقوى نظرا و أوضح سبيلا وأنفى للتفاقم بين المسلمين في أوقات الصيام والأعياد وفي ليلة القدر وفي يوم عرفة وعلى ذلك فإذا كان الناس في أخر شعبان فيما يظنون فجاءهم الخبر الثابت أن اليوم من رمضان وجب عليهم الإمساك عن جميع ما يمسك عنه الصائم سواء كانوا أكلوا أو لم يأكلوا لأنه إنما جاز لهم الفطر وهم يظنون أن ذلك اليوم من غير رمضان.

فإذا علموا انه من رمضان كان عليهم الإمساك وإذا كانوا في أخر رمضان فيما يظنون ففاجأهم خبر صحيح انه يوم الفطر لزمهم الإفطار ساعة وصول الخبر بذلك كانوا في أول النهار أو في أخره.

وأما القياس الصوم على الصلاة فغير واضح إذ الصلاة تجب بمجرد دخول الوقت والصوم إنما يجب بعد زمن واسع من وقت الرؤية، وأيضا المكلف مخير في أداء الصلاة في أول الوقت أو في وسطه أو في أخره بخلاف وقت الصوم فانه بمقدار العمل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فانه بمقدار أو في وسطه أو في أخره بخلاف وقت الصوم فانه بمقدار العمل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.والله ولي الهداية والتوفيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني PKK | تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني pkk   تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي. "لماذا تعتبر تركيا محاربة تنظيم حزب العمال الكرد...