الخميس، 31 يناير 2013

نحن العرب محمود محمد شاكر

 
نحن العرب
محمود محمد شاكر
نشرت عام 1947

إني لأسأل نفسي، كما يسأل كلُّ عربي نفسه: (إلى أين يسار بنا تحت لواء هذه الحضارة البربرية الحديثة؟!) وجواب هذا السؤال يقتضي العربي منا أن يلمح لمحًا في طوايا النفوس، وخبايا السياسات، ويقدِّم الحذر بين يديه؛ ليكون على بينة من رأيه ومن مصيره أيضًا.
ولعلَّ القارئ قد فوجئ لإقحام هذا الوصف للحضارة الحديثة بأنها (حضارة بربرية)، ولكن لا يعجل بالعجب مما لا عجب فيه، فإنَّه حقٌّ بيِّنٌ لا تخطئه العين البصيرة.

نعم! إنها حضارة لم يوجد لها مثيل بعدُ في التاريخ كلِّه منذ كان آدم إلى يومنا هذا. حضارة قد نفذت إلى أسرار المادة، فكشفت عنها كشفًا يسَّر للبشرية أن تقبض على زمام الحياة، وتصرفها في حيث شاءت وإلى حيث تريد، وجعلت الإنسان يشعر شعورًا لا خفاء فيه بأنَّه قادر على أن ينشئ التاريخ إنشاء، ويبني الوجود بناء جديدًا، ويملأ ظلام الليل وضياء النهار حياة وقوة وجلالًا، وينفث في الأشباح روحًا، ويكسوها لحمًا، ويعطيها من مقدرته ما يجعلها كائنًا متصرفًا بشيء أشبه بالعقل والإرادة.
ونعم! إنها حضارة قد قامت أركانها على علم جمٍّ، يعجز المتأمل عن إدراكه، وبلوغ آفاقه، علم تدسَّس إلى ضمير الأرض والسموات، فاسترق السمع إلى نجواه وإلى خواطره، فقبس منها قبسًا مضيئًا، أنار ظلمات هذا الوجود، الذي لا يعلم ما انطوى عليه إلا الله الذي يعلم الخبء في السموات والأرض.
ونعم! إنها حضارة أزرت بالحضارات كلها وجعلتنا نشعر بالقوة التي طواها الله في هذا (العالم الأصغر) حتى مكَّن له أن يكون سيِّد (العالم الأكبر) غير منازع.
نعم: إنها حضارة مجيدة عاتية، أحيت الإنسانية ورفعت شأنها، ولكنها على ذلك كلِّه حضارة بربرية طاغية، قد امتلأت فسادًا وجورًا وحماقة وفجورًا، حضارة بربرية رفعت الإنسانية من ناحية العقل، ولكنها قتلت ضميرها، ومزقت شرفها، وجعلتها تشعر بقوة غير شريفة، ولا صالحة، ولا أمينة في أداء حقِّ الإنسانية عليها.
والعربي منا إذا نظر اليوم فينبغي أن ينظر أولا إلى هذه (البربرية) من الناحية التي لها مساس به وبحياته، وبتاريخه على هذه الأرض، ليعلم إلى أين تريد هذه الحضارة أن تسوقه؟ وأي بلاء تريد أن تبتليه به؟

إنَّ تلك الدول التي صارت دولًا في تاريخ هذه الحضارة البربرية، وبمعونتها تريدنا على أشياء، وتريد بنا أشياء، لابدَّ لكلِّ عربيٍّ أن يراها بعين لا تغفل. هذه الدول التي ادَّعت- ولا تزال تدعي- أنها خاضت غمار الحرب المبيدة الثانية دفاعًا عن حرية البشر في الحياة، وعن رفع مستوى المعيشة في هذه الأرض، ترتكب كلَّ يوم من ضروب الخيانات والغدر والنذالة ما لم يشهد التاريخ مثله، كما لم يشهد مثل حضارتها هذه البربرية.

هذه أمريكا وبريطانيا وروسيا وفرنسا جميعًا- ولا نستثني- تزعم كلَّ يوم أنها تغضب للحق، حقِّ الناس في الحرية، وتثور استنكارًا للمظالم التي تفرض على الشعوب العاجزة عن دفع الظلم، وأنها تحوط الإنسانية من أن يدنِّسها باغٍ أو طاغ بجبروته وبطشه، وهي جميعًا لا تزال تملأ جنبات الأرض عجيجًا وضجيجًا، إذا رأت ضيمًا أصاب شعبًا من الشعوب، وتتنبل كلٌّ منها بالدفاع عنه، وبالذياد عن حقِّه المهتضم، ونرى أمريكا خاصة ومن دونها جميعًا تذيع بين الناس وتشيع أنها حامية الحضارة، وأنها حامية الناس من البغي، وأنها لم تخُضْ غِمار الحرب إلا لهذا وحده: أن تحمي الحضارة من الدمار، وأن تحمي الناس على اختلافهم من البغي. وكذلك تفعل بريطانيا أيضًا، وهكذا تزعم روسيا، وهكذا تتبجح فرنسا.

ولكن – هذه فلسطين فلذة أكباد العرب قد شهدت أنذال الأمم يطؤون ديارها منذ سكنت الحرب العالمية الأولى، ثم أخذوا يسيلون عليها سيلًا منذ ذلك اليوم، يريدون أن يجلوا العرب عن بلادها؛ ليحتلوها، وينشئوا في ربوعها دولة يهودية، فإذا بنا نرى أمريكا تعينها بالمال واللسان والقلب، ونرى بريطانيا تغريهم بما يريدون، وتصبر على إذلالهم لها صبرًا لم يعرفه قطُّ تاريخ بريطانيا، التي كانت تسمِّي رجال العرب المجاهدين (رجال العصابات)، ونرى روسيا وفرنسا تلوذان بالصمت المطبق لا تقول ولا تنبس ولا تتحرك دفاعًا عن الحضارة، ولا دفاعًا عن الهضيمة [أي: الظلم] التي تراد بالإنسانية، كما تحركت من قبلُ ...

هكذا يرى العربي فعل هذه الدول القائمة على الحضارة والمدافعة عن تاريخ الإنسانية وعن شرفها وعن حريتها: فإذا رأتنا نقول لها الحقَّ، غضبت، وزعمت أنَّنا قوم نتعصَّب على الأجانب بجهلنا، وغباوتنا، وحماقاتنا الموروثة، وصدقوا، فنحن جهلاء أغبياء؛ لأنَّنا صدَّقنا يومًا أنَّ روسيا هبَّت لتدفع الظلم عن الطبقات المهضومة الحقوق، وأنَّ بريطانيا ثارت لتدفع الشرَّ عن الإنسانية المهددة بالجبروت والطغيان وصدقنا فرنسا أنها هي الداعية إلى العدل والمساواة والإخاء، وصدَّقنا أمريكا أنَّها البريئة المدافعة عن حقوق البشر، وتساويهم في هذه الحياة، لا فرق بين صغير الأمم وكبيرها، أو ضعيفها وقويِّها، إنَّنا جهلاء وأغبياء؛ لأنَّنا أبحنا بلادنا للأجانب؛ ليرفعوا لنا مستوى العلم والثقافة، ومستوى العيش والحياة، فأكرمناهم وآويناهم وخُدعنا بهم، وحرصنا على أن نجعلهم لا يشعرون بأنَّنا نريد أن نكون حربًا عليهم، فأنشؤوا ما أنشؤوا من مدارس ومتاجر، وأوغلوا في بيوتنا وأراضينا، فسرقوا منا قلوب أبنائنا، وأموال أغنيائنا وفقرائنا، واستبدوا بالأمر دوننا، وتركونا لا نستطيع أن ننفذ في بلادنا ما تنفذه كلُّ دولة من القوانين والأحكام. فإذا أردنا نحن أن نفعل شيئًا قليلًا مما تفعله الدول لحماية أرضها وأموالها، ثاروا علينا من الشرق والغرب، ومن يمين وشمال يرموننا بالتعصب، ويمنُّون علينا أنهم هم الذين رفعوا مستوى معيشتنا، وهم الذين علَّمونا كيف نلبس، وكيف نأكل، وكيف نشرب.

فهل يحِلُّ منذ اليوم لعربيٍّ أن يصدِّق أكاذيب هذه الأمم الباغية في دعواها ومزاعمها؟ هل يحِلُّ لعربيٍّ أن يثق بأنَّ أهل هذه الحضارة التي اشتملت على روائع الفنِّ والعلم والفلسفة، قد صاروا حقًّا أهل حضارة تستحقُّ أن تسمَّى حضارة؛ لأنَّها قرَّبت المسافات بالطائرة، التي تخطف في جو السماء خطفًا، ومسَّت موات الأرض، فاهتزت وربت، وأنبتت من كلِّ زوج بهيج، وألقت السحر في بنان الإنسان، فإذا هو طبيب يدفع عوادي الموت عن رجل في النزع، ليس بينه وبين الموت حجاب؟

هل يحِلُّ لعربيٍّ أن يصدِّق شيئًا من هذا كلِّه، وهم يكذبون على خلق الله العرب، ويغررون بهم، ويخدعونهم، ويقتلونهم، ويذبحونهم بلا رحمة ولا شفقة، ولا ضمير يفزع من كلِّ هذه الجرائم البشعة في تاريخ الإنسانية!
تعس العلم، وتعس الفن، وتعست الفلسفة، وتعست هذه الحضارة البربرية، إذا كان هذا خلقها وهذا ضميرها! وما نفع العلم والفن والفلسفة إذا هي خُلطت لنا- نحن العرب- بالكذب والوحشية، حتى في الأعمال التي يصفونها بأنها علمية خالصة. إننا على ضعفنا وجهلنا وفقرنا أكرم نفوسًا، وأعلى أخلاقًا، وأنبل قلوبًا من أهل هذه الحضارة البربرية التي لا يثور أهلها إلا لحاجة في نفوسهم، والذين لا يفزعون مما ترتكب أيديهم من الوحشية في بلادهم، وفي بلاد غيرهم من البشر.

ليعلم أهل هذه الحضارة في أوربة وأمريكا، وينبغي أن نعلمهم نحن في بلادهم وبين ظهرانينا- أننا لن نهاب بعد اليوم أن نكاشفهم بعداوة عربية، لا كعدواتهم هم. تلك العداوة الممزوجة بالرِّقَّة والخداع والكذب والتغرير، إنَّها عداوة طالب الحقِّ الذي ينتصف لعدوِّه مِن نفسه، وينتصف لنفسه مِن عدوِّه، والذي لا يغمط حقًّا، ولا ينكر معروفًا، ولكنه لا ينسى أنَّ عدوَّه هو عدوُّه!
ولقد سمع أحد رجالنا، هو ابن شبرمة، يومًا عروة بن المغيرة، وهو ينشد هذه الأبيات:

لا أتَّقى حسك الضَّغائن بالرُّقى
فعْلَ الذليل، ولو بقيت وحيدا

لكن أعدُّ لها ضغائن مثلَها
حتى أداوي بالحقود حقودا

كالخمر خير دوائها منها بها
تَشفى السَّقيم وتُبرئ المنجودا

فقال: لله درُّ عروة! هذه أنفس العرب.
فهذه نفوسنا، لن تهادن من يعادينا عداوة طويت على الضغائن الصغيرة المحتقرة، فإذا أنابوا، وانتصفوا لنا من أنفسهم، وعرفوا قبح ما أتوا، وشناعة ما ارتكبوا، فيومئذ نصافحهم مصافحة العربي، الذي لا يضمر الغدر ولا الغيلة ولا الفتك، ولا يعرف الكذب ولا المخاتلة.

-------------
اختيار موقع الدرر السنية : www.dorar.net
المصدر: كتاب (جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر)، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1، 2003م، (1/383) بتصرف.

الأربعاء، 30 يناير 2013

موت الأمم وحياتها محمد البشير الإبراهيمي


موت الأمم وحياتها
محمد البشير الإبراهيمي ت 1384هـ - 1965م
نُشر عام 1350هـ الموافق 1934م
موقع الدرر السنية

إنَّ موت الأمم، وحياة الأمم لفظان مطروقان مستعملان في نصابهما من الوضع اللغوي، كموت الأرض بالقحط، وحياتها بالغيث، لا ينبو بهما ذوق ولا منطق ولا فهم، وإن معناهما لأوسع وأجل من معنى حياة الفرد، وموت الفرد، هذه حياة محدودة، وموت لا رجعة بعده إلاَّ في اليوم الآخر، وتلك حياة ممدودة الأسباب ينتابها الضعف فتعالج، ويُلِمّ بها المرض فتداوى، ويطرقها الوهن فتقوى، ويدركها الانحلال فتشد، ويعرض لها الانتقاض فترمم، وتظلم آفاقها بالجهل فتنار بالعلم.
طالما قال القائلون عن أمتنا: إنها ماتت، وطالما فرح الشامتون بموتها، وطالما نعاها نعاة الاستعمار على مسمع منَّا، وأعلنوا البشائر بموتها في عيدهم المئوي فَعَدَّوه تشييعاً لجنازة الإسلام الذي هو مَسّاك حياة هذه الأمة في هذا الوطن، فقالوا: ماتت لا رحمها الله، وصدقهم ضعفاء الإيمان منَّا فقالوا: ماتت رحمها الله، وقلنا نحن: إنها مريضة مشفية، ولكن يرجى لها الشفاء إن حضر الطبيب، وأحسن استعمال الدواء؛ فحقق الله قولنا، وخيب أقوال المبطلين وكذب فألهم، فحضر الطبيب في حين الحاجة إليه، وأذن بالإصلاح في آذان المريض فانتفض انتفاضة تطايرت بها الأثقال، وانفصمت الأغلال، وكان من آثارها هذا اليوم الذي لا يصوره الخيال والوهم، وإنما يصوره العيان والواقع.
فإذا بقي في الدنيا ممسوس، يكابر في المحسوس، ولا يصدق بوجود هذه الأمة، ولا يؤمن بحياتها - فقولوا له: تطلع من هذه الثنايا على قرية الحنايا، وقارن يومها بأمسها، يراجعك اليقين، ويعاودك الإيمان.
قلنا في هذه الأمة ومازلنا نقول: إن عوارض الموت وأسبابه كلها موجودة فيها من الجهل، والفقر، والتخاذل، وفساد الأخلاق، واختلاف الرأي، وفقد القيادة الرشيدة.
وقلنا - مع ذلك - ومازلنا نقول: إنها مرْجُوَّة الحياة ما دام مناط الرجاء فيها سالماً صحيحاً، ومناط الرجاء هو نقطة من الإيمان ما زالت لائطة بالقلوب وصِلَةٌ بالقرآن ما زالت مرعية في الألسنة، وإن هذا الرجاء معلق بخيط دقيق لا نقول إنه كخيط العنكبوت، ولكننا نقول: إنه أقوى من السلاسل الحديدية إذا أمده الاستعداد والتدبير الرشيد.
هذه النقطة هي مبعث القوة ولو بعد حين، وهي مكمن السيادة والعزة ولو في الأخير، والسبق يعرف آخر المضمار.
من أطوار هذه الأمة في التاريخ أن اختلف ملوكها وقادتها وساستها، وذاقت من خلافهم الشر والبلاء، واختلف علماؤها في الدين فكان خلافهم وبالاً على الأمة، وتشتيتاً لشملها، وصدعاً لجدار وحدتها، وقطعاً لما أمر الله به أن يوصل من أرحامها، ثم فَرَّ العلماء من الميدان، وتركوه للأمراء المستبدين، ثم ألقى الأمراء المقاليد في أيدي السفهاء من الأنصار والذرية والأتباع، وكل أولئك قد فعل في هذه الأمة ما لم يفعله (نيرون).
وكل تلك الأعمال قد أثرت في أخلاق الأمة التأثير العميق، وسكت العلماء أذلة وهم صاغرون، يرون الحق مهضوماً فلا ينطقون، والمنكر فاشياً فلا يغيِّرون ولا ينكرون، وهيهات بعد أن تنازلوا عن حقهم طائعين.
يقع ذلك كله في كل طور من الأطوار التاريخية حتى يبتلى المؤمنون، ويظنوا بالله الظنون، وإذا بذلك العرق يتحرك، وإذا بتلك الانتفاضة تعرو، وإذا بالأمة قائمة من كبوتها، تذود قادة السوء عن القيادة، وعلماء السوء عن الإمامة، وتنزل دخيل الشر بدار الغربة.
جَرَّبنا فصحَّت التجربة، وبلونا فصدق الابتلاء، وامْتَحَنَّا فدل الامتحان على أن عرق الإيمان في قلوب هذه الأمة كعرق الذهب في المنجم كلاهما لا يبلى وإن تطاولت القرون، ثم جلونا هذا العرق في عمل ثلاثين سنة خلت فإذا خصائصه الطبيعية لم تتغير.
هذه الأمة كَبَا بِها الزمن، وأدارها على غرائب من تصاريفه حتى أصبحت عوناً له على نفسها، وترصد لها العدو كل غائلة، ففتنها عن دنياها حتى سلمت له فيها، ثم فتنها عن دينها حتى كادت تتلقاه عنه مشوهاً ممسوخاً، وأحاطت بها خطيئاتها من كل جانب فجنت على نفسها بما كسبت أيديها من سوء الأقوال، وفساد الأعمال.
ولكن ذلك العرق المخبوء في تلك المضغة يتحرك، فيأتي بالعجائب.
المصدر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1997م (2/350(

الثلاثاء، 29 يناير 2013

كلمة السياسة وهل هي من اللغة العربية ؟ العلامة الأديب محمود الملاح الموصلي





كلمة السياسة وهل هي من اللغة العربية ؟
العلامة الأديب محمود الملاح الموصلي

تحت هذا العنوان - كلمة السياسة وهل هي من العربية - بقلم الأستاذ عبد المنعم مصطفى ، قرأت في جريدة الحوادث الغراء في أطار خاص ما يلي ( السياسة كلمة مغولية أصلها (ياسة) فحرفها أهل مصر وزادوا بأولها سيناً فظن من لا علم عنده أنها كلمة عربية! وأصل هذه الكلمة يرجع الى جنكيز خان فانه قرر قواعد وعقوبات اثبتها في كتاب سماه ياسة وجعله شريعة لقومه على أن بعض أصدقائي ممن هم أكثر مني علماً ، يشك في صحة هذا)
أقول - محمود الملاح -:- ان مادة السياسة (ساس ،يسوس) مثبتة في معاجم اللغة العربية قبل أن يخلق جنكيز بقرون ومنها -سياسة الخيل - ولفظ (سائس) أشهر من أن يذكر!
وكتاب ( الإمامة والسياسة ) المنسوب الى ابن قتيبة من تركات القرن الثالث الهجري ، ولابن القيم كتاب اسمه ( السياسة الشرعية) ولا يعقل أن يكون أخذه عن قوم جنكيز !
وهناك كتب أخرى قديمة لا أتذكر أسماءها ، ومما أحفظه من أقوال الفقهاء المتقدمين عبارة ( يقتل سياسة ) .
فقول الأستاذ عبد المنعم مصطفى ( فظن من لا علم عنده ) مقلوب عليه !
وإنما لحق الخطأ الأستاذ من ظن ( أن أصلها سياسة ) بل أصلها - يسق - كما في كتاب ( عجائب المقدور في أخبار تيمور) لإبن عربشاه وكان يتقن اللغات السائدة في عصر المغول بارعاً فيها وشهد وقائع تيمورلنك وصحب جيشه الى سمرقند ووصف لنا هيئة ابن خلدون لما دخل على تيمور ثم رحل الى بلاد عثمان واستخدم في البلاط العثماني ، وكان يكره تيمور جد الكراهة ويرسم لنا صورته وسيرته على حقيقتهما وهو ممن توطن في دمشق بعد عجمة أو هو دمشقي المنشأ ، وكان ذا دين متين ، وكتابه ( عجائب المقدور) من عجائب فن البيان العربي !! لو أتيح له من يجدد طبعه مشكولاً ويعنى بشرح غوامضه في الهوامش فهو نعم الكتاب !! ولأعجابي به أطلت الكلام !
فإن قلت كيف وقع الاشتباه ؟
قلت :- ان لفظ - يسق - يتضمن معنى الحظر والمنع وكان سلفنا العثمانيون يرسمونه بالالف -يساق- أو - يا ساق - وتناولها المقريزي في خططه عند الكلام على قانون جنكيز خان وأظنه رسمها -ياسة - والسبب في ذلك ان السوريين والمصريين لا يحققون مخرج القاف العربي فرسمها مؤلفوهم بالهاء وإنما رسمها ابن عربشاه بالقاف مع نشأته السورية لعلمه بأصلها وجاء من ظنها عربية فنقط الهاء ثم أضاف إليها من أضاف سيناً ومن هنا تورط صاحبنا !!
ومن الغريب أن يقول ( ان بعض أصدقائي ممن هم أكثر مني علماً) ثم يصر على رأيه ! وأغرب منه نسبه الشك اليهم مع أن المقام مقام جزم فتأمل !!
أما قانون جنكيز هذا فيشتمل على منهيات يضع أراءها عقوبات غريبة هي الى الوحشية أقرب منها الى المدينة ... مثل من بال في الماء استحق القتل .
ومن أقوال ابن عربشاه والمقريزي ان قانون -اليسق- ظل معمولاً به ما بعد دخول المغول في الاسلام بكثير !
وربما كانت رواسبه بين المماليك المتغلبين على مصر وهو يناسب طباع القسوة والشراسة ولم يكن تيمورلنك أقل قسوة وشراسة من جنكيز وهولاكو مع أنه مسلم يصلي الخمس وله إمام خاص حتى إنه صلى الجمعة في جامع بني أمية في دمشق فلما خرج منه دخل فيه من أشعل النار فيه من جنوده المختلفي الألوان

مجلة ( الثقافة الإسلامية ) البغدادية في سنة [ 1375 للهجرة الموافق 1956م]

الاثنين، 28 يناير 2013

النُّبوغ في العلوم والفنون للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين




النُّبوغ في العلوم والفنون
للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين

في الناس من يجمع علمًا غزيرًا، أو يروي أدبًا واسعًا، وقد يؤلف فتعد مؤلفاته بالمئات أو الآلاف من الصفحات، ولكن لا نجد فيما ألف من مئات الصفحات وآلافها شيئًا زائدًا عما كتبه الناس من قبله، ويسوغ لنا أن نسمي هذا العالم أو الأديب: (حافظًا)، أو (ناقلًا).
أما العالم أو الأديب الذي يدرس، فنسمع منه ما لم نكن قد سمعنا، ويؤلف، فنقرأ له ما لم نكن قد قرأنا، فذلك ما يحق لنا أن نسميه: نابغة، أو عبقريًّا.
فالنابغة أو العبقري هو الذي يحدث علمًا أو فنًّا من فنون الأدب لم يكن شيئًا مذكورًا؛ كما صنع الخليل بن أحمد في علم مقاييس الشعر، أو ينقله من قلة إلى كثرة؛ كما صنع عبد القاهر الجرجاني في علم البلاغة، ودون هذه الدرجة درجات، وسموُّ كعب العالم أو الأديب في العبقرية على قدر ما يأتي به من أفكار مبتكرة، أو ما يستطيعه من حل المسائل المعضلة.
أما ابتداع الرجل للعلم أساليب تجعل مأخذه أقرب، وتناوله أيسر، فليس بنبوغ في نفس العلم، وإنما هو نبوغ في صناعة التأليف فيه.
وإذا كانت العصور قد تبسط يدها بالعلماء الناقلين كلَّ البسط، فإنها لا تسمح بالعبقري إلا قليلًا:
فِتيةٌ لم تلدْ سواها المعالي
والمعالي قليلة الأولادِ
تقوم العبقرية على الذكاء والجدِّ في طلب العلم، ثم على كبر الهمة، فمن لم يكن ذكيًّا، لم يكن حظُّه من العلم إلا أن يحفظ ما أنتجته قرائح العلماء من قبله، ومن لم يجدَّ في طلب العلم، ولم يُغذِّ ذكاءه بثمرات القرائح المبدعة، بقي ذكاؤه مقصورًا في دائرة ضيقة، فلا يقوى على أن يحلق في سماء العلوم ليبلغ الغاية السامية، وماذا تصنع المرأة الكيسة في بيت لا مؤونة فيه ولا متاع؟!
يقولون: إن ابن سينا لم ينم مدة اشتغاله بالعلم ليلة، واحدة كاملة، ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة.
وقالوا: لم يترك ابن رشد النظر ولا القراءة منذ عقل إلا ليلة وفاة أبيه، أو ليلة بنائه على أهله.
ومن لم تكن همته في العلم كبيرة، لم يكفه ذكاؤه ولا جده في الطلب لأن يكون عبقريًّا؛ فقد يكون الرجل ذكيًّا مجدًّا في التحصيل، وصغر همته يحجم به أن يوجه ذكاءه إلى نقد آراء قديمة، أو ابتكار آراء جديدة حميدة:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النُّجومِ
والعبقري يلذُّ العلم أكثر مما يلذُّه الناقلون، وإنا لنرى الرجل يرتاح للعلم ينحدر من سماء فكره أكثر مما يرتاح للعلم الذي ينساق إليه من فكر غيره، ولا يزيد هو على أن يودعه حافظته.
قال تقي الدين السبكي في أبيات أجاب فيها عن سؤال يتعلق بآية من الكتاب المجيد:
لأسرار آيات الكتاب معان
تدقُّ فلا تبدو لكلِّ معانِ
إذا بارقٌ قد لاح منها لخاطري
هممتُ قريرَ العينِ بالطيرانِ
ولشدة ارتياح النابغة لاستخراج المعاني من معادنها، وتخليص الآراء الراجحة من بين الآراء الواهية، نجده أحرص الناس على العلم، وأشدهم أنسًا به، وأثبتهم على الانقطاع له.
مهيئات النُّبوغ:
للنبوغ مهيئات: منها: أن ينشأ الذكي في درس أستاذ يطلق له العنان في البحث، ويرده إلى الصواب برفق، ويثني عليه إن ناقش فأصاب المرمى.
نقرأ في ترجمة العلامة إبراهيم بن فتوح الأندلسي: أنه كان يفسح لصاحب البحث مجالًا رحبًا، بل يطلب من التلاميذ أن يناقشوه فيما يقرر، ويحثهم على ذلك، ويختار طريق التعليم به، وشأن العالم العبقري أن يقبل على التلميذ المتقد ذكاء، ويأخذ بيده في طريق التحصيل حتى يعرف كيف يكون عبقريًّا.
ومن مهيئات النُّبوغ: أن يشب الألمعي بين قوم يقدرون النوابغ قدرهم، فإن نظر القوم إلى النابغة بعين التجلة، وإقبالهم عليه باحتفاء، مما يزيد الناشئين الأذكياء قوة على الجدِّ في الطلب، والسعي إلى أقصى درجات الكمال.
ولا عجب أن يظهر النابغون في العلم والأدب ببلاد الأندلس؛ فقد كان أهلها- كما قال صاحب (نفح الطيب)-: (يعظِّمون من عظَّمه علمه، ويرفعون من رفعه أدبه، وكذلك سيرتهم في رجال الحرب: يُقدِّمون من قدَّمته شجاعته، وعظمت في الحروب مكايده).
وظهر في عالم الإسلام خلفاء وملوك ووزراء، كانوا يقدرون النوابغ، ويحتفون بهم لنبوغهم؛ مثل: المأمون العباسي، وعبد الله بن طاهر، وسيف الدولة، والصاحب بن عباد في الشرق، وعبد الرحمن الناصر، والمنصور بن أبي عامر، والمعتمد بن عباد في الأندلس.
وأسوق مثلاً لهذا التقدير: أن القاسم بن سلام عرض على عبد الله بن طاهر تأليفه في غريب الحديث، فقال عبد الله: إن عقلًا بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب، حقيق بأن لا يحوج إلى طلب المعاش. وأجرى عليه عشرة آلاف درهم في الشهر.
وقد يهيئ الناشئ للنبوغ أن يسبقه أب أو جدٌّ بالنُّبوغ ؛ فإنَّ كثرة تردد اسم سلفه العبقريِّ على سمعه، ومطالعته لبعض آثار عبقريته يثيران همَّته، ويرهفان عزمه لأن يظفر بما ظفر به سلفه من منزلة شامخة، وذكر مجيد.
وإذا رأينا كثيرًا من أبناء فطاحل العلماء، لم يتجاوزوا مرتبة العلماء الناقلين، فلنقص في ذكائهم الفطري، أو لعلل نفسية صرفتهم إلى نواح غير ناحية العبقرية.
ومن مهيئات النُّبوغ: نشأة الذكي في حاضرة زاخرة بالعلوم والآداب؛ إذ في الحواضر يلاقي الناشئ جهابذة العلماء، وأعلام الأدباء، وفي الحواضر يشتدُّ التنافس في العلوم والفنون، ويتسع مجال المحاورات والمناظرات.
ومن مهيئات النُّبوغ: قراءة مؤلفات النابغين في العلم، بعد الاطلاع على دراسة الكتب التي تسوق المسائل مجردة من أدلتها، غير معنية بالغوص على أسرارها، وإنما يجرى منه النُّبوغ متى وضعت تحت نظره كتب يرى مؤلفيها كيف يستمدون آراءهم من الأصول العالية، ولا يوردون مسألة إلا بعد أن يعززوها بالدليل.
ومن مهيئات النُّبوغ: مطالعة تراجم النابغين المحررة بأقلام تشرح نواحي نبوغهم، وتصف آثاره؛ نحو: مؤلفاتهم المنقطعة النظير، ثم ما يخصه بهم عظماء الرجال من تقدير وتمجيد.
ومن مهيئات النُّبوغ: الرحلة، والتقلب في كثير من البلاد، ولا سيما بلادًا تختلف بعاداتها، وأساليب تربيتها، ومناهج حياتها العلمية والسياسية، ولعل نبوغ ابن خلدون في شؤون الاجتماع ذلك النُّبوغ الرائع؛ إنما جاءه من نشأته في تونس، ثم سياحته في الجزائر والمغرب الأقصى والأندلس ومصر سياحة اعتبار، سياحة اتصل فيها برؤساء حكوماتها، وأكابر علمائها، بل سياحة كان يقبض فيها –أحيانًا- على طرف من سياسة تلك البلاد.
تقدير النُّبوغ:
يعرف الناس أن زيدًا عالم أو أديب، أما بلوغه مرتبة النُّبوغ في علم أو فنٍّ من فنون الأدب، فإنما يعرفه من درسوا ذلك العلم أو الفن دراسة تمكنهم من الحكم بأن ما يثمره فكر هذا العالم أو الأديب جديد بديع.
فمن لم يدرس علم الطب- مثلًا- لا يستطيع أن يصف أحدًا بالنُّبوغ فيه إلا أن يقلِّد في وصفه بعض كبار الأطباء، ومن لم يدرس علوم اللغة ليس من شأنه أن يشهد لأحد بالنُّبوغ في هذه العلوم إلا أن يتلقَّى تلك الشهادة من أفواه أساتذة اللغة وآدابها.
وأعدُّ من تعقُّل ابن حزم: أنَّه كتب رسالة بيَّن فيها كيف أبدع أهل الأندلس فيما ألَّفوه في العلوم والفنون، ولما وصل إلى علم الحساب والهندسة، قال: (وأما العدد (الحساب) والهندسة، فلم يُقسم لنا في هذا العلم نفاذ، ولا تحققنا به، فلسنا نثق أنفسنا في تمييز المحسن من المقصر في المؤلفين فيه من أهل بلدنا).
وإذا انتشر العلم والأدب في بلد أو قطر، كان أهله أعرف بأقدار النبغاء، وربما عاش العبقريُّ في بلد، ويكون ذكره في بلد آخر أذيع، وشأنه فيه أعلى.
نشأ العلامة أبو عبد الله التلمساني في تلمسان، وعاش بها، ويقول الكاتبون في التعريف به: (وكان علماء الأندلس أعرف الناس بقدره، وأكثرهم تعظيمًا له).
وأشار إلى هذا المعنى بعض من نشأ أو أقام بين قوم لم يقدروا فضل براعته، فقال:
وما أنا إلا المسكُ في غيرِ أرضِكمُ
يضوعُ وأمَّا عندكم فيضيعُ
أثر النُّبوغ في العلم:
عرفنا أن العلماء الناقلين مزيتهم في حفظ أقوال مَن تقدَّمهم، وليس من شأنهم أن يتقدَّموا بالعلوم ولو خطوة، وإنما الذي يبتكر العلوم، أو تكون له يد في تلاحق مسائلها قليلًا أو كثيرًا، هو العبقريُّ.
ولا يستغني علم من العلوم عن عبقريٍّ يضيف إليه مسائل، أو يحلُّ منه مشاكل، أو يجيد تطبيق أصوله العالية على فروعها.
فعبقرية الأئمة المجتهدين أورثتنا هذه الثروة العظيمة من أصول الشريعة وأحكامها العائدة إلى حفظ الدين والأنفس والأعراض والأموال، وعبقرية علماء الكلام دخلت في تفاصيل الإلهيات والنبوات، فخلصت الحقائق من الأوهام، وحفظت أصول الدين من أن تزلزلها عواصف الشبهات. وعبقرية المناطقة استنبطت هذه القوانين التي تساعد العقل السليم على أن تكون آراؤه صائبة، وحججه ساطعة. وعبقرية علماء العربية جعلت مقاييس اللغة ومحاسن بيانها في متناول نشئنا، يجرون عليها في خطبهم وأشعارهم، فيسترعون الأسماع، ويأخذون بالألباب.
وهكذا ننظر إلى كلِّ فنٍّ من الفنون التي تقوم عليها المدنية الفاضلة الرائعة، فنجده وليد العبقرية التي تخرق القشر، وتنفذ إلى اللباب.
فحاجة العلم إلى العبقرية لا يقضيها الجماعات التي تقنع بالحفظ وإن كثروا، ومما ينبِّه لهذا المعنى قول محمد بن عيسى القوصي يرثي العامة ابن دقيق العيد:
لو كان يقبلُ فيك حتفُك فديةً
لفُدِيت مِن علمائِنا بألوفِ
أثر النُّبوغ في شرف الأمة:
للنبوغ في عظمة الأمة حظٌّ كبير، لذلك نرى الشعوب والقبائل يباهي بعضها بعضًا بالنابغين في علم أو أدب أو سياسة، وانظروا إلى رسالة كتبها أبو الوليد الشقندي في فضل الأندلس على برِّ العدوة، وقد ملأها بقوله يخاطب أهل العدوة: هل لكم في علم كذا مثل فلان وفلان؟ وذكر البارعين في الفقه والنحو والأدب والشعر والتاريخ والهندسة.
ولابن حزم رسالة نوَّه فيها بفضل الأندلس، فذكر طائفة من جهابذة تلك البلاد: يقيسهم ببعض علماء الشرق وأدبائه، فيقول مثلًا: فلان نباهي به جريرًا أو الفرزدق، وفلان نسابق به محمد بن إسماعيل البخاري، وفلان نناطح به محمد بن الحكم، وفلان وفلان لم يقصروا عن أكابر أصحاب محمد ابن يزيد المبرد.
أثر النُّبوغ في علوِّ الهمة:
أشرنا إلى أنَّ النُّبوغ يقوم على كبر الهمة في العلم، ونقول الآن: إن النُّبوغ ينحو بصاحبه نحو عزة النفس، ويرفع همته عن أن تسلك طريق الملق والخضوع؛ لإدراك نحو منصب أو مال؛ فإنَّ شعور العبقري برفعة منزلته العلمية، يريه أنَّ كلَّ ما عدا هذه المنزلة أهون من أن تطمح إليه النفوس، أو تحرص عليه، وقد نال ابن حزم الوزارة، ولما رأى العلم فوق كلِّ مرتبة، انصرفت نفسه عنها، وطلَّقها بتاتًا من تلقاء نفسه، وانقطع للبحث والتحرير.
كيف نصعد بأبنائنا في مراقي النُّبوغ ؟
تختلف نفوس الناشئين في الميل إلى العلوم، كلُّ نفس تميل إلى ما يوافق طبعها، فنرى نفسًا تختار علمًا، ونفسًا تحتار علمًا غيره، ولندع الفلسفة تبحث عن سرِّ موافقة هذا العلم لطبع هذه النفس، ونكتفي بأن نعلم أنَّ هذه النفس تميل إلى هذا العلم؛ لنتوجه بها إلى التخصص به، فتطلبه برغبة زائدة عن رغبتها فيه من حيث إنَّه علم، وقد أدرك هذا علماؤنا من قبل، فنقرأ في التعريف بحياة العلامة أبي عبد الله التلمساني: أنه كان يترك كلَّ طالب يتخصص بالعلم الذي تميل إليه نفسه.
ومناهج التعليم اليوم تقتضي تخصص كلِّ طائفة بقسم من العلوم، ولا يكفي توجُّه الطالب إلى التخصص بقسم من العلوم لأن يكون نابغًا فيه، وما فتح أبواب التخصص إلا أحد المهيئات للنبوغ، وقد تفوت الطالب القريحة الوقادة والألمعية المهذبة، أو تفوته الهمة التي تطمح به إلى بلوغ الذروة في العلم، فعلى القائمين على شؤون التعليم العام أن لا يكتفوا بأن تخرج أقسام التخصص في كلِّ عام فرقًا يؤدون الامتحان، ويحرزون شهادات تخوِّلهم ولاية بعض المناصب، بل واجبهم أن يوجهوا عنايتهم إلى ذوي الذكاء المتَّقد، وإن كانوا من أبناء البيوت الخاملة، ويربون فيهم الهمَّة الطامحة إلى أسمى الغايات، ويقوون عزائمهم بكلِّ وسيلة ممكنة، حتى يسيروا في طريق العبقرية؛ فإنَّ سلامة الأمة وسيادتها على قدر ما تخرجه معاهدها وجامعاتها من أساتذة أجلاء، أساتذة لا يتركون في العلم الذي يتخصصون به غامضًا إلا استكشفوه، ولا بابًا من أبوابه إلا نفذوا منه.
--------------------------------
اختيار موقع الدرر السنيةwww.dorar.net
المصدر: كتاب (موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين)، دار النوادر بسوريا، ط1، 1431هـ، (5/
2243).

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني PKK | تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني pkk   تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي. "لماذا تعتبر تركيا محاربة تنظيم حزب العمال الكرد...