السبت، 15 يناير 2022

الأمازيغية بين الحقوق والعقوق | الشيخ أحمد بن محمد الشبي الأزاريفي السوسي

 

الأمازيغية بين الحقوق والعقوق

الشيخ أحمد بن محمد الشبي الأزاريفي السوسي )رحمه الله. (

 

سبق أن كتبنا أن نضال ثلة من الأمازيغ هو عن لا شيء، لأن لغتهم موجودة – سلفا- يتحدثون بها في كل وقت ولا يزالون. ولم يأت أحد يوما – كما يتوهمون – لتعريب ألسنتهم، أو طمس ثقافتهم، غير أن “مناضليهم الأشاوس” زعموا ذلك، وصدقوه، وصاروا يناطحونها–أوهاما– باستمرار

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه * * وصدق ما يعتاده من توهم

وذلك غير حاصل بالمرة– لا في الماضي ولا في الحاضر-. وقد اعترف أحدهم بهذه الحقيقة في لحظة صحو ويقظة فقال:

إن الشعوب الإسلامية العجمية إن كانت قد عاملت العربية باحترام لارتباطها بالدين، فإنها لم تعتبرها أبدا بديلا عن لغاتها العربية الأصلية، ولا فهمت أن من شروط الإيمان تعريب الألسن، وإبادة اللغات، ولهذا السبب لم تتعرب الشعوب الإسلامية وحافظت على لغاتها حتى اليوم، واستمر قائلا وهو لا يزال في حالة صحوه النادر : { إن السلطة السياسية في دولة الخلافة منذ العباسيين لم تكن أبدا تخطط من أجل محو لغات الشعوب المختلفة بقدر ما كانت تستعملها} كتاب الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي – ص 101 – أحمد عصيد.

فإذا كان الإسلام في أوج قوته وفتوته، وفي عز بسط سلطانه وسيطرته، لم يسع إلى تعريب أحد، أو سلخ هويته، باعتراف دهاقين الأمازيغية أنفسهم فمتى حصل ذلك إذن؟! وما بالكم أطلتم العويل والنواح خوفا من التعريب والإسلام دين مقصوص الجناح، مخذول من الأبناء، مرمي – عن قوس واحدة- من الأعداء.

إن الوهم الذي تمكن فيكم – مؤخرا – وغذته وساوس من هنا وهناك – هو الذي جركم إلى الوقوف في مجابهة ومواجهة مع اللغة العربية، ومحاولة حصارها، وصرف الناس عنها، والهجوم المستمر عليها، والاستماتة في تغييبها، والتقليل من شأنها وقدرها، وإشغالها بمعارك جانبية وهامشية، واتهامها الباطل بأنها وراء ظلم ” الأمازيغية ” وهضم حقوقها .

إذا أضيف إلى ذلك إهمال الدولة لأمرها، ونفض يدها من شجونها وخذلان أربابها، ندرك مدى غربتها بين أهلها، ما جعلها منكمشة منزوية صامتة وذلك هو ما قوَّى جانب الفرنسية الموجودة الآن بقوة، والتي صارت هي اللغة الرسمية الفعلية في المغرب، والتي تجاوزت كل اللغات الوطنية قدرا ووجودا وموقعا، وتمكنت من كل محاور المجتمع، ومفاصل الدولة، وأصبحت هي المهيمنة على البرامج، والمكتوبات الرسمية ووصفات دواء الطبيب، ولغة الإشهار، وواجهات المحلات، ولوائح المطاعم والفنادق .

وهي عنوان الوجاهة والتمدن، وهي المفتاح السحري لأسواق العمل، وهي لغة المجتمعات المخملية، وتخاطب أبناء الذوات، وأصحاب البذلات هي – باختصار – السيدة الشقراء المدللة في كل لقاء وبأي مكان .

وطبعا – الأمازيغيون المناضلون لا يضايقهم ذلك، ولا يثير مخاوفهم على لغتهم وهويتهم، مادام ليس تعريبا. بل إن صدق حدسي فإنهم حين ينهون مراسيم دفن العربية، سيزوجون لغتهم بتلك السيدة الغامضة الساحرة التي فتنت أفئدة المغاربة، وسلبت لهم ألسنتهم، ويمنحون لها الصدر والرئاسة من منطلق ” السيدات أولا “.

وفي سبيل ذلك سعت الأمازيغية – في عقوق واضح فادح – إلى الانفكاك التام، والانفصال عن اللغة العربية، وكل ما يمت إليها بصلة. وقد تجلى ذلك في جملة أمور:

الأول: حين اختارت أن تشتط بعيدا، وأن تكتب حروفها”  بتيفناغبدلا عن الحرف العربي، رغم أن عددا هائلا من اللغات كتبت بالحرف العربي أوصلها أحد الباحثين إلى ثمانين لغة، بل إن هناك لغات حضارية عريقة كالفارسية والأردية والتركية – قبل مجيء أتاتورك المشؤوم – وغيرها لا زالت تكتب بالحرف العربي .

ولم يكن ذلك نقصا فيها، ولا تنكرا لذاتها، ولا تبعية لغيرها، بل ظلت باقية بفكرها وخصائصها واسمها .

والأمازيغية لو كتبت بالحرف العربي – أعتقد أنها – ستجسر الهوية النفسية بينها وبين العرب في المغرب، ولقربت نفسها أكثر، وتيسر تعلمها واختصرت الطريق البعيد، لكن رغبتها الشديدة في الانفكاك عن العربية أعماها عن هذه الغاية النافعة .

الأمر الثاني: المطاردة الحثيثة لكل لفظ فيه رائحة العربية، واقتلاعه من الكلام، والبحث له عن مرادف في الأمازيغية، والإتيان بدله بكلمات غربية، وبعث القديم منها، أو المستورد من دول الجوار، ليحل محل اللفظ العربي .

حتى أصبحت – وأنا أشْلْحي – لا أعرف كثيرا مما يرطن به الأمازيغ اليوم وأجد صعوبة في فهم ما عنه يتحدثون، ولطالما تسمرت أمام التلفزة الأمازيغية لأفهم ما يقولون فلا أفهم .

إن اللغة العربية – رغم ارتباطها بالمقدس، ووجوب حمايتها من اللحن – تقبلت كثيرا من المفردات الأعجمية، واحتوتها، وامتزجت بها، فلم تضف بذلك ولا تخلصت من الدخيل، ولا نبذته أبدا.

لكن الأمازيغيين امتد عدوانهم اللغوي حتى كلمات الدين الصرفة، التي تتميز بخصوصية، وتحمل مضامين ربانية روحانية سامية، فاستبدلوها بغيرها، وغيروها، وحرموا المسلمين الأمازيغ ما في نطقها من البركة والرحمة واليمن والخير ، فمن ذلك قول المسلم لأخيه : { السلام عليكم ورحمة الله وبركاته} الذي يترتب عن قوله ثواب وأجر وجزاء وحسنات.

ثم انظر كيف ضاقوا بوجوده، فغيروه وحرفوه إلى كلمة غريبة مشبوهة وهي ” أَزُولْ فْلَّاوْن! ” .

فما الذي كسبت الأمازيغية من هذا العدوان اللغوي والاستئصالي الذي ارتكبه مناضلوها؟ إلا سعيهم لإثبات بأسهم وشدتهم في التخلص من العربية بأقصى سرعة، وبدون أي رحمة .

الأمر الثالث: التنقيص من أعلام أمازيغ، عرفوا العربية ودرسوها، وكتبوا بها، وتمكنوا من أدواتها، أو تكلموا يوما في مدحها وتمجيدها، أو الزهو بالانتماء إليها، لذلك لم يفلت فقيه وأديب مثل محمد المختار السوسي من هجاءهم وهمزهم وغمزهم، رغم أن الرجل قامة علمية، خدم المنطقة السوسية، وأرخ لرجالها وأحداثها وتقاليدها، وخلد كثيرا من عوائدها، وقدم الدروس والمواعظ بالشلحة في الإذاعة، فلم يشفع له ذلك. بل غمسوا فيه ألسنتهم، وتطاولوا على مكانته، لأنه قال، مثلا في المعسول: " فالحمد لله الذي هدانا حتى صرنا – نحن أبناء إلغ العجم – نذوق حلاوتها (ويقصد العربية) وندرك طلاوتها، ونستشف آدابها، ونخوض أمواج قوافيها حتى لنعد أنفسنا من أبناء يعرب وإن لم نكن إلا أبناء أمازيغ". ج 1 ص 13 .

فاتهموه” بشعور عميق بدونية الانتماء الإثنى والعرقي! " وأنه لا نكاد نجد نصا يفخر فيه بلغته الأمازيغية! ،أو يشير من قريب أو بعيد إلى ميزاتها وفضلها ”. وأنه ” كان ينظر إلى هذه اللغة بوصفها لهجة وضيعة! “. أحمد عصيد .

وغير ذلك من صكوك الاتهام، وألوان الإدانة، وكل ذنبه أنه أحب العربية وكتب بها، وأثنى عليها.

هكذا يكشر التطرف الأمازيغي عن أنيابه، ويطارد تاريخا عظيما ، ويصمه بكل سوء ويظهر جحودا وعقوقا لا حدود لمداه.

 

الاثنين، 10 يناير 2022

الأخبار المثيرة بين القواعد الشرعية والرغبات البشرية | عزيز بن فرحان العنزي

الأخبار المثيرة بين القواعد الشرعية والرغبات البشرية

الدكتور عزيز بن فرحان العنزي 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أننا في عالم متغير، وتسير عجلته بشكل سريع وخطير، بحيث أصبح عالمنا يوصف بالقرية الواحدة، فما يحصل في القاصي القصية من الكرة الأرضية يصل إلى الناس بتقنية عالية، بل قد تراه على الهواء مباشرة صوتا وصورة، وأصبحت الإثارة الإعلامية هي الغالبة في منابرنا الإعلامية، وذلك بنشر الوقائع الغريبة على الناس، أو الحوادث المؤلمة والشاذة على دين الناس وأعرافهم، يستوي في ذلك المقروء والمسموع والمرئي من الأخبار، مما يسجل للجهة الناشرة للخبر سبقا إعلاميا، تكسب به رصيدا جماهيريا واسعا، وقد تحقق عائدا ماليا جيدا، ويشار إلى أصحابها بالبنان، وهي - في الواقع - تتناغم مع طبيعة النفس البشرية، القائمة على محبة الغريب، والطيران مع كل جديد، والميل إلى الأخبار المثيرة، والالتفات إليها بانتباه، ووعي تام، وقد يلاحقها من لا شغل له، وحينما نعرض هذا اللون من الأسلوب الإعلامي، نجده يخالف ما تدعو إليه الشريعة الإسلامية السمحاء من النظر المصلحي، فقاعدتها التي لا تكاد تنخرم هي جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، وإذا نظرنا إلى ما نحن فيه من حديث، نجد أن الشريعة تفرق بين الأخبار الصالحة والتي لها أثر على الناس في عقائدهم وعقولهم وأبدانهم وعلاقاتهم الاجتماعية وجميع شؤونهم، والأخبار السيئة التي لا فائدة من ورائها، بل قد يكون ضرها أقرب من نفعها، بل لقد ذهبت الشريعة أبعد من ذلك، حينما دعت إلى الموازنة بين المصالح والمفاسد من حيث التزاحم، وذلك بالنظر إلى مآلاتها وآثارها، فعندما يكون ظاهر الأمر أو الخبر - مثلا - متضمنا تحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فإنه ينظر هنا في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، فإن الشريعة تمنعه؛ بل قد يكون محرما إذا كان مفسدته أرجح من مصلحته، كما يقرر ذلك أهل العلم من ذوي التحقيق. 
وهنا أقول: ما الفائدة حينما تعتني صحفنا - مثلا - بنشر خبر (ضرب ولد لأحد والديه) أو (زنا رجل بأحد محارمه) بشكل يؤذي العيون ويوجع القلوب، وما الفائدة من نقل خبر (سطو شاب على محل تجاري) أو (هروب امرأة من بيت زوجها) أو (القبض على فتاة اختفت من بيت أهلها) أو غيرها من الأشياء التي تشد الانتباه لدى المتلقي، وتجعله يتابع الخبر بكل تفاصيله ودقائقه. 
إن من المتفق عليه أن جميع المجتمعات البشرية فيها المحاسن والمساوئ، وهي تكثر في جهة وتقل في أخرى بحسب قوة الإيمان والتمسك بالتعاليم الشرعية والقواعد المرعية، وحينما نتأمل في نشر هذه الأخبار بهذه الطريقة الفجة لا نجد أنها - في تقديري - تحقق ولا مكسبا واحدا، يمكن أن يكون سببا قويا في التعاطي معها بالشكل الصحيح، بل هي مشتملة على جملة من المخالفات ؛ منها:
مخالفة لما أمر الله تعالى به من الستر، فإن الأصل هو الستر، وكشف الجرائم والمنكرات أمر طارئ، لا يكون إلا في مسالك ضيقة، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله ستير يحب الستر) رواه أحمد، وأبو داود بسند صحيح. وقال - صلى الله عليه وسلم - : (لا يستر عبد عبدا في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم.
وقد يشتد الأمر حينما يكون إعلان حادثة ما يوصل إلى معرفة صاحب الواقعة، ويسهم في نشر اسمه على نطاق واسع، أو معرفة ذويه ممن لا يستحقون الكشف عنهم. 
ومنها: نشر معايب أهل الإسلام بشكل واسع، فإن من المجزوم به أن في نشر المخالفات عبر المنابر الإعلامية، فيه توهين لأهل الإسلام، وإساءة الظن في مجموعهم من قبل الآخرين، وقد يكون في هذا سقوط في شرك أهل الباطل من خلال ترويج الأخبار التي فيها إظهار معايب أهل الإسلام، فإن من أهم مقاصد المبطلين تمكين الأخلاق الفاسدة وإشاعتها بين الناس في الأرض، ومحاربة الفضيلة وأهلها، وتوهين الفسق والفجور في النفوس، من خلال الإكثار من نشر الأخبار الشاذة والمنحرفة، ولو كانت واقعة على الحقيقة، وهذا الجنس متوعد بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}.
ومن وصايا أهل العلم: (اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب). 
ومنها: تجريء أصحاب القلوب الضعيفة، والنفوس المريضة، فإن في نشر الأخبار الشاذة، والحوادث النادرة تقوية للمترددين على تقحم المخالفات، والأفعال الشاذة، وتسليط أفكارهم على شواذ الجرائم، وسيئ الأخلاق والآداب، فحينما تنشر مثل هذه الأخبار فإن هذا يحرك الراكد من الأفكار السيئة في نفوس العصاة والمجرمين، وقد يكون سبب وقوعهم في المراتع الوخيمة هي أمثال هذه الأخبار السيئة.
ومثالب هذه الطريقة كثيرة تفوق الحصر، وأنا لا أريد من مقالي هذا الحجر على أقلام الناس ومنتدياتهم، خاصة في ظل هذا الفضاء الواسع من الإعلام، والحرية التي يصعب ضبطها، ولكنني أردت من إخواني الإعلاميين، وأصحاب المنتديات الإخبارية أن يوطنوا أنفسهم، فليس بالضرورة أن كل ما يكتبه الآخرون يكون صحيحا، فنحن لنا منهجنا وأسلوبنا وطريقتنا المستمدة من ديننا الإسلامي، والتي أهم شيء فيها مراقبة الله تعالى فيما نكتب ونقول، وأيضا لماذا نبتعد عن المنهج الصحيح وهو ضرورة إشاعة الفضيلة وتعزيزها في نفوس الناس عبر مسالك شرعية وعرفية معروفة؛ وأهمها: كشف الجوانب المشرقة لأوطاننا ومجتمعاتنا، فإذا حصل من شخص شاذ تعد على أحد والديه، فلدينا ملايين الشباب البارين بوالديهم، فلماذا التركيز على شواذ الأخلاق والتي في نشرها تكريس لمثيلاتها؟؟ وترك فضائل القيم والأخلاق الغالبة على مجتمعنا وأمتنا!! أين الملاحق الإعلامية عن قصص هي تيجان على رؤوسنا!! من أناس ضربوا أروع الأمثلة في بر آبائهم وأمهاتهم وصلة أرحامهم؟؟ فلماذا لا تبرز هذه الجوانب عبر لقاءات حوارية معهم؟؟ أو إجراء تحقيقات صحفية مع أبنائنا، واكتشاف ما يفخر به الإنسان من أنواع البر، وألوان الصلة التي يقوم بها أبناء مجتمعنا!! 
لماذا حينما يقوم مخبول أو مخمور بفعل شاذ تجاه أحد محارمه، يبرز هذا الخبر، وتطير به بعض صحفنا!! حتى أنك لتشعر وأنت تقرأه بأنه سلوك عام - عياذ بالله!! - والأمة كلها - ولله الحمد - تمثل أنموذج الطهر والعفاف، وفي هذا الجانب الحساس على وجه الخصوص!! فلماذا لا تكون هناك ملاحق (أسبوعية أو شهرية) تذكر فيها قصص الماضين والحاضرين في العفاف، ولماذا لا تخصص برامج يذكر فيها ما جبل عليه المسلم والإنسان العربي من حماية العرض، والتفاخر في الدفاع عنه؟؟ 
لماذا لا نجد برامج وملاحق وتحقيقات تشير إلى ما سبق وغيره من الأخلاق الفاضلة، مثل الأمانة، والصدق، والمروءة، والعفاف، والكرم، وحفظ الجوار، وصنائع المعروف.. إلخ. 
متى نستجيب لداعي العقل والحكمة، ونغلبه على ما يطلبه الجمهور!! 
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل .




الأحد، 9 يناير 2022

متى تعود إلينا فلسطين (؟!).. | أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي

 


متى تعود إلينا فلسطين (؟!)..
أو
أساس النصرة الربانية التي تفرح بها الأمة الإسلامية

أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي


بسم الله الرحمن الرحيم


     قال تعالى: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) 
فأعداء الأمة الإسلامية أهل غدر وخيانة، ونقض للمواثيق، لا ينفع معهم إلا الإعداد (المعنوي والمادي)؟!، وتوحيد الراية تحت راية التوحيد المتين، وسنة النبي الأمين - عليه الصلاة والسلام -، والاهتداء بسيرة السلف الصالحين، ثم الجهاد في سبيل رب العالمين، فيومئذ يفرح أهل الإيمان بنصر الله، فالعاقبة للمتقين.
قال العلامة القرطبي المالكي - رحمه الله -: "(أوجب) الله الجهاد لإعلاء كلمته، وإظهار دينه، واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس.
وتخليص الأسارى (واجب) على جماعة المسلمين، إما بالقتال وإما بالأموال، وذلك أوجب لكونها دون النفوس، إذ هي أصون منها، وقال مالك: يجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم وهذا لا خلاف فيه"1. 
     فإذا كان هذا موقف علماء الإسلام (بلا خلاف) في الأسير، فكيف حال القتيل، والمعذب، والمشرد، والمنتهك العرض، والمغصوب الأرض، كما هو حال إخواننا المسلمين في فلسطين والله المستعان(؟!)..
قال العلامة الإمام الألباني - رحمه الله -: "اعلم أن الجهاد على قسمين:
الأول: (فرض عين)، وهو صدُّ العدو المهاجم لبعض بلاد المسلمين، كاليهود الآن الذين احتلوا فلسطين: فالمسلمون جميعا (آثمون) حتى يخرجوهم منها..."2. 
وكلام الشيخ – رحمه الله - هذا هو على سبيل (النوع والعموم) للحفاظ على حظ الشريعة والحق(؟!)، أما إنزال ذلك على الواقع فلا بد في خصوصه من (توفر الشروط وزوال الموانع)3 مراعاة لحال الخلق (؟!) كما حصل في الزمن الأول 4 لما كان الصحابة - رضي الله عنهم- يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال (؟!)، لكن الله تعالى قال: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ ).
    قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورون بالصلاة والزكاة.. والصبر إلى حين وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم (ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبا لأسباب كثيرة)؟!.." 5. 
   إذن كان المسلمون في الزمن الأول يتشوقون للجهاد ويتمنونه، ولكن في مرحلة من المراحل لم تكن المصالح أوسع من المفاسد وأعظم، لعدم تحقق الشروط وزوال الموانع ، ولذا لم يؤذن لهم به وهذه هي (العلة الصحيحة) التي يجب أن يقاس عليها ويعلق حكم الجهاد في كل زمان ومكان 6(؟!) فتأمل ولا تعجل ..
    قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - :" إنه تعالى نهى المؤمنين في مكة عن الانتصار باليد ، وأمرهم بالعفو والصفح، لئلا يكون انتصارهم ذريعة إلى وقوع ما هو أعظم مفسدة من مفسدة الإغضاء، واحتمال الضيم، ومصلحة حفظ نفوسهم، ودينهم، وذريتهم 7 راجحة على مصلحة الانتصار والمقابلة "8. 
     وليعلم أن أهم تلكم الشروط بل هو (الأصل والأساس)؟! لتحقق ذروة سنام الإسلام و(هو ممكن في كل حال) 9: (الإعداد المعنوي)؟! القائم على إصلاح أحوال المسلمين عقيدة وعبادة وأخلاقا 10، كما قال عليه الصلاة والسلام: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم (حتى ترجعوا إلى دينكم)!!" الصحيحة.
قال العلامة السعدي - رحمه الله -: "الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين وإصلاحهم في عقائدهم وأخلاقهم وآدابهم..، وهذا النوع هو (أصل الجهاد وقوامه)، وعليه يتأسس النوع الثاني، وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على الإسلام والمسلمين.."11.
   ولذلك بين الله تعالى في كتابه للصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم أساس العلاج لمشكلة ضعفهم عن مقاومة الأعداء، وأنه بصدق التوجه إليه سبحانه، وقوة الإيمان به، والتوكل عليه.
    فلما ضرب الكفار على المسلمين ذلك الحصار العسكري في غزوة الأحزاب المذكور في قوله تعالى: ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) ، قابل أهل الإسلام هذا الأمر العظيم بما ذكرناه كما في سورة الأحزاب: (وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا).
    هذا مع (شدة) هذا الحصار العسكري و(قوة) أثره في المسلمين، إضافة إلى أن (جميع) أهل الأرض في ذلك الوقت مقاطعوهم سياسيا واقتصادياً.. 
    وقد صرح الله بنتيجة ذلك العلاج بقوله تعالى: (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا).
   وقد نصرهم الله  على عدوهم بما لم يكونوا يحسبون أنهم ينصرون به وهم (الملائكة والريح)؟! قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا).
    فالنصر والتأييد (الكامل)، إنَّما هو لأهل الإيْمان (الكامل)، قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ).
    فمن نقص إيْمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد، وبِهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ويجيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلاً فِي الآخرة، ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلاً فِي الحجة. 
والتحقيق: أنَّ انتفاء السبيل هو عن أهل (الإيْمان الكامل)؟!، فإذا ضعف الإيْمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيْمانِهم، فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بِمَا تركوا من طاعة الله تعالى. 
قال شيخ الإسلام – رحمه الله - :" وأما الغلبة فإن الله تعالى قد يديل الكافرين على المؤمنين تارة كما يديل المؤمنين على الكافرين كما كان يكون لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عدوهم لكن العاقبة للمتقين ؛ فإن الله يقول : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) .
وإذا كان في المسلمين ضعف وكان عدوهم مستظهرا عليهم كان ذلك (بسبب ذنوبهم وخطاياهم)؟!؛ إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنا وظاهرا، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطنا وظاهرا، قال الله تعالى : ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا )، وقال تعالى : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم )، وقال تعالى : ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) "12. 
   فأين هو الإيمان الكامل(؟!)..، وأين هي التقوى الحقيقية(؟!)..، وأين هو الصبر الجميل(؟!)، ..وأين هي الأعمال التي ينصرنا الله بها(؟!)..13.
قال العلامة القرطبي المالكي - رحمه الله - في معرض الكلام عما أفاده قوله تعالى: ( كم من فئة قليلة) الآية من التحريض على القتال والاستشعار للصبر والاقتداء بمن صدق ربه:" هكذا يجب علينا نحن أن نفعل(؟!) لكن الأعمال القبيحة والنيات الفاسدة منعت من ذلك حتى ينكسر العدد الكبير منا قدام اليسير من العدو، كما شاهدناه غير مرة وذلك بما كسبت أيدنا(!!). 
وفي البخاري: وقال أبو الدرداء: (إنما تقاتِلون بأعمالكم).. فالأعمال فاسدة، والضعفاء مهملون، والصبر قليل، والاعتماد ضعيف، والتقوى زائلة، قال الله تعالى: (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله)، وقال: (وعلى الله فتوكلوا)،  وقال: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)، وقال: ({ولينصرن الله من ينصره)، وقال: (إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون).
فهذه أسباب النصر وشروطه وهي معدومة عندنا غير موجودة فينا فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا(؟!)، بل لم يبق من الإسلام إلا ذكره ولا من الدين إلا رسمه لظهور الفساد ولكثرة الطغيان وقلة الرشاد حتى استولى العدو شرقا وغربا برا وبحرا، وعمت الفتن وعظمت المحن، ولا عاصم إلا من رحم(؟!!)"14. 
فإذا كان هذا هو الحال على زمن العلامة القرطبي – رحمه الله -، فكيف بزماننا نحن(؟!!)..
ولذا " في لقاء المفتي الأسبق (أي: لفلسطين الحبيبة ) الشيخ محمد أمين الحسيني – رحمه الله – مع أبناء وطنه وجهوا إليه السؤال التقليدي الآتي:
متى نعود إلى فلسطين ؟
فأجاب: (عودوا إلى الله تعودوا إلى فلسطين)!!
فسخر سفهاؤهم من جواب المفتي، وراحوا يتساءلون: ما علاقة العودة إلى الله بالعودة إلى فلسطين (؟!!) "15.
.................................................
1. الجامع لأحكام القرآن5/279.
2. العقيدة الطحاوية شرح وتعليق 82-83.
3. قال الشيخ علي بن حسن الحلبي – حفظه الله – تعليقا على كلام شيخه الإمام الألباني – رحمه الله - :" ومن بداهة البيان أن نقول :
   إن هذا التأثيم الذي ذكره شيخنا –رحمه الله– متعلق بالقادر المستطيع-، سواء أكان ذلك موصولا بالدول، أم الأفراد - .." العدوان الغاشم على غزة هاشم ص: 52.
وبمناسبة هذا الكلام أقول : تتحدث (جماعات و أفراد )؟!! عن أمر الجهاد من خلال (الحكم التكليفي)؟! دون مراعاة ( الحكم الوضعي)؟! المتمثل في ضرورة (توفر الشروط وزوال الموانع )؟!

    قال الناظم :
ولا يتم الحكم حتى تجتمع **** كل الشروط والموانع ترتفع

فانحرفوا – منهجيا(؟!) – عن جادة أهل السنة القائمة على معرفة (الواقع والواجب)؟! معا فتأمل وبالعلم تجمل..
     قال شيخ الإسلام – رحمه الله -:"أهل السنة يخبرون بالواقع ويأمرون بالواجب، فيشهدون بما وقع، ويأمرون بما أمر الله به ورسوله – صلى الله عليه وسلم - " منهاج السنة 1/547.
   مع إضافة أن مرجع الإفتاء – تنزيلا على وجه الخصوص – في هذا الأمر الجلل إلى الراسخين من أهل العلم كما قال شيخ الإسلام – رحمه الله – في معرض الكلام عن الجهاد :" وفي الجملة فالبحث في هذه (الدقائق) من وظيفة خواص أهل العلم " منهاج السنة 4/504.
     ولأجل عدم اعتبار هذا المرقوم (غُرِّرَ) بكثير من الشباب في هذا الميدان فوقعوا في (عين الفساد)؟!.. بدعوى (تحقيق الجهاد)!!!..
      قال شيخ الإسلام – رحمه الله – في معرض كلامه عن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )؟! :" .. وما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، ويكون من باب الظلم والعدوان (!!) " الفتاوي 14/482.
     فالجهاد ذروة سنام الإسلام..، وهو من عظيم الأحكام..، وعليه لا بد أن نُقيمه بسنة و حِكمة وإحكام.. ، بعيدا عن الطيش والعجلة لنبلغ به المرام ..، فاحذر أهل الجهل والسفه من الأنام ..
       قال شيخ الإسلام – رحمه الله - :" والكتاب والسنة مملوءان بالأمر بالجهاد وذكر فضيلته، لكن يجب أن يعرف (الجهاد الشرعي) الذي أمر الله به ورسوله من (الجهاد البدعي) : جهاد أهل الضلال الذين يجاهدون في طاعة الشيطان وهم يظنّون أنهم مجاهدون في طاعة الرحمن، كجهاد أهل البدع والأهواء، كالخوارج ونحوهم ... وهم كانوا يدّعون أنهم يجاهدون في سبيل الله لأعداء الله (!!) " الرد على الإخنائي ص: 215.
4. انظر كلاما تأصيليا متينا لشيخ الإسلام – رحمه الله – في رسالة (كشف النقاب عن معالم سورة الأحزاب ) ص : 14 – 15.
5 . التفسير1/538.
   6. أنظر قاعدة مهمة غاية تتعلق بـ (فقه الدعوة) مقدمة كتاب " الصارم المسلول لشيخ الإسلام – رحمه الله – " الذي حققه وقدم له بعض أهل العلم منهم : الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد – رحمه الله –
7. ولذا فمن (فقه الجهاد) الذي يعزب عن كثير من الأذهان هو تقييد إيجابه بحصول الظفر ونكاية العدو، لذلك كان الانصراف في الحرب عند التحقق من الهلاك أولى، يقول ابن جزي المالكي – رحمه الله - :" وإن علم المسلمون أنهم مقتولون فالانصراف أولى، وإن علموا مع ذلك أنهم لا تأثير لهم في نكاية العدو وجب الفرار "، وفال أبو المعالي :" لا خلاف في ذلك " القوانين الفقهية ص: 165، وهو قول الشوكاني – رحمه الله – في السيل الجرار 4/529.
8. إعلام الموقعين 2/150.
9. قال العلامة السعدي – رحمه الله - :" دل القرآن في عدة آيات أن من ترك ما ينفعه مع الإمكان (ابتلي) بالاشتغال بما يضره وحرم الأمر الأول " القواعد الحسان / ملحق بـ ( تيسير الكريم الرحمن ) 5/548.
10. ولذلك كانت " العقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات هي مقصود الجهاد في سبيل الله " الفتاوي 28/308.
     قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - :" لأجله ( أي: التوحيد ) جردت سيوف الجهاد " زاد المعاد 1/34.
11. جهاد الأعداء ص: 9.
12. الفتاوي 11/ 645.
13. أنصح في هذا الصدد بقراءة رسالة (أسباب سعادة المسلمين وشقائهم ) للعلامة محمد زكريا الكاندهلوي – رحمه الله -، وقد اختصرها وهذبها : مجدي بن عبد الوهاب الأحمد . 
  14. الجامع لأحكام القرآن 3/239.
  15. أمل والمخيمات الفلسطينية ص: 251 لعبد الله محمد الغريب.


كتبه :
أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني - عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي -

ونصح بنشره :

الشيخ المتقن علي بن حسن الحلبي الأثري - حفظه الله - 

والشيخ الفاضل أحمد بن محمد بن الصادق النجار - حفظه الله -

السبت، 8 يناير 2022

تجربتي القاصرة في طلب العلم | أحمد محمد الصادق النجار


 تجربتي القاصرة في طلب العلم

   أحمد محمد الصادق النجار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شيخنا الشيخ الفاضل أحمد النجار وفقه الله

هذا سؤال طُلب مني عرضه عليك

السؤال / كثرت المنهجيات العلمية علينا وكل يوصي بما يوصي به غيره...وقرأنا في ذلك الكثير وأكثرهم يُنظر تنظير غير واقعي بل وجدنا بعضهم يوصي بمالم يقرأه هو !

شيخنا ماهي الطريقة التي وجدتها نافعة في طريق الطلب ومجدية ، من جهة التدرج في الطلب ومايغني عن غيره بعداً عن التكرار ، وكم يكفي طالب العلم من وقت ، وماهي المتون التي وجدتم نفع حفظها؟

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نفع الله بكم

هذا السؤال لا يجيب عليه أمثالي، وإنما يجيب عليه من رسخ في العلم، وحقق فيه نجاحا كبيرا.

لكن مادام أنه وُجِّه إليه فسأجيب عليه، وستكون إجابتي قاصرة؛ لقصوري وتقصيري.

لابد لطالب العلم حتى يتمكن من وضع هدف له واضح ومتزن وموضوعي مناسب لقدرته ووقته

ويجعل هذا الهدف هما له يبذل فيه الغالي والنفيس؛ لتحقيقه.

والمنهجيات متعددة كما جاء في السؤال؛ لتعدد الأهداف، واختلاف قدرة الطلبة على تحقيق أهدافهم.

ولهذا ليس كل منهجية يذكرها العلماء تصلح لكل طالب، وإنما على طالب العلم ان يسلك المنهجية التي تناسب هدفه وقدرته.

وأهم مراحل الطلب مرحلة التأسيس وهي المرحلة الأولى، وبها تتكون شخصية طالب العلم.

وعلى ضوئها تكون النهاية، فمن كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة.

وعلى طالب العلم في بداياته ان يأخذ من كل العلوم الشرعية بطرف، ولا يقتصر على فن دون غيره.

ويحرص على المعتمد في كل فن عند أهل التخصص؛ لأنه في الغالب يكون جامعا، وعليه شروحات وتعليقات كثيرة.

ثم بعد ذلك هو بين أمرين على حسب قدرته وهدفه:

١-أن يتفنن فيصبح عالما شموليا.

٢- أن يتخصص في العلم الذي يميل إليه.

والعلم النافع وطرق تحصيله منة، والله ييسر الأسباب.

وأما عن تجربتي فلا يصح ان يعتمد عليها؛ لقصورها، لكن لا بأس بسرد شيء منها:

من توفيق الله لي أن كانت بداياتي الاكاديمية في كلية الحديث، فاشتغلت بعلم الحديث جرحا وتعديلا وتخريجا ونقدا.

وهذا يكسب طالب العلم التثبت والنقد، وألا يأخذ كل ما يلقى إليه مسلما، كما يكسبه تعظيم السنة والذب عنها، وتعظيم أهل الحديث الذين بذلوا أنفسهم للذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكسب أيضا تقديم الأثر على الرأي المجرد.

وهذا كله مؤثر في شخصية طالب العلم.

واستمرت دراستي في الكلية أربع سنوات تخللها الحضور للمشايخ في المساجد، وكان من أعظم ما درسته عليهم متون باب الاعتقاد.

ثم انتقلت في الماجستير والدكتوراه لقسم العقيدة

فأكسبتني هذه النقلة التخصص في باب الاعتقاد.

وباب الاعتقاد يستفيد منه طالب العلم اصلاح القلب والجوارح من جهة، ومعرفة ما عليه السلف الصالح من اعتقاد من جهة أخرى

ثم معرفة ما عليه المخالفون لأهل السنة من ضلالات وانحرافات.

وأفدت من هذا التخصص الاعتناء بأصل أقوال أهل البدع وشبههم، وما تؤول إليه أقوالهم.

واتضح لي جليا رسوخ السلف في باب الاعتقاد؛ لاعتمادهم على الوحي.

كما اتضح لي بطلان مذهب أهل البدع؛ لبعدهم عن الوحي، وكثرة تناقضاتهم.

وهذه النظرة جعلت عندي هما وهو إرجاع بقية العلوم لما كان عليه السلف، وتصفيته من الدخيل.

ذلك لما رأيت أن علوم الآلة قد هيمن عليها المتكلمون.

فاتجهتُ إلى أصول الفقه؛ لأن غالب الكتب التي وصلت إلينا فيه هي لأرباب أهل الكلام

فبدأت بمشروع التصفية، فألفت فيه كتبا نقية على هدي السلف،  ونقدت كتبا لأهل الكلام كالمنهاج للبيضاوي.

وعنايتي بعلم الأصول أكسبتني حسن التصور والحكم؛ لأنه آلة الاجتهاد حقيقة، ولا أدعي لنفسي الاجتهاد فما زال الوقت عليه طويلا.

كما أكسبتني العناية باللفظ والمعنى، وبالظاهر والتعليل.

وأدركت طرق الجمع والترجيح عند تعارض الأدلة.

وهذا العلم يكسب الدقة، وله تأثير قوي على شخصية طالب العلم.

ولا يزال هم التصفية الذي استفدته من تخصصي في باب الاعتقاد يراودني فانتقلت إلى مقاصد الشريعة؛ لأنها قائمة على التعليل، وهي مسألة كبيرة خالف فيها المتكلمون، وهكذا

وبعد ضبط هذه العلوم سيكون الهدف التالي باذن الله تعالى هو الفقه...

فهذا التدرج أثر في حياتي العلمية وشخصيتي

بدءا بالحديث وانتهاء بالفقه

ولا أزال في مرحلة الطلب

فأسأل الله أن يتمه بخير، ويطرح فيه البركة، ويجعله خالصا لوجهه

والحذر الحذر من المثبطين فما أكثرهم، وعلى طالب العلم ألا يلتفت إليهم.

وأشير هنا إلى أنه في بداية الطلب على طالب العلم أن يعتني بتلخيص الكتب في دفاتر ومراجعتها وحفظها ثم بعد التمكن ينتقل إلى البحث في المسائل، ثم يختم ذلك بتأليف الكتب التي هي ولده المخلد

وأما الكتب التي تقرأ فمعروف أنه يبدأ بالمختصرات ثم المطولات، وقد تكلم عليها أهل العلم كثيرا، وذكروا متونا معينة، لكن الذي أضيفه هنا أن على طالب العلم أن يعتني بالقواعد والأصول في كل فن؛ لأنها تختصر له العلم، وبها يضبط المسائل.

وضبط القواعد يكون بتصورها تصورا صحيحا, ثم بمعرفة أدلتها ومستثنياتها, ومحلها؛ حتى توظف وظيفا صحيحا.

والكتب منها كتب تأصيلية, ومنها كتب للجرد, ومنها كتب تكون مراجع, ومنها كتب للنقد.

وأما المدة الزمنية, فطالب العلم في الطلب ليس له وقت محدد, وإنما يطلب العلم من المهد إلى اللحد.

لكن المراحل الأولية لابد أن يكون لها وقت محدد, فلا يعيش طالب العلم جل عمره في المختصرات أو ما فوقها بقليل, وتحديد هذه الفترة يرجع إلى همة طالب العلم, وسلوكه الطريق الصحيح في الطلب.

وكلما نحى منحى القواعد والأصول قصرت عنده المدة.

ووصيتي لنفسي وطلبة العلم: أن يعتنوا بجليل العلم ودقيقه، وواضحه وخفيه

فيتعلم طالب العلم المسألة وحكمها ودليلها وعلتها والاصل الذي تندرج هذه المسألة تحته

كما يعتني بمعرفة النظائر والاشباه

فرب مسألتين يتفقان في الصورة ويختلفان في الحكم

ويعتني أيضا بإرجاع الجزئيات إلى الكليات، والفروع إلى الأصول

وقديما قال الشافعي:( من طلب العلم فليدقق حتى لا يذهب دقيق العلم)

فمن اعتنى بهذه الأمور فهو حقيقة طالب علم

وبقدر نقص معرفته بهذه الامور ينقص تحقق وصف طالب العلم فيه

ومن أراد أن يستفيد حقيقة فيجب عليه الرجوع إلى كبار العلماء، فيضيئون له الطريق، ويبصرونه السبيل السديد

أسأل الله أن يجعلنا من العلماء الربانيين

 

كتبه

أحمد محمد الصادق النجار

٦-١٠-١٤٣٦هـ

 


قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني PKK | تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني pkk   تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي. "لماذا تعتبر تركيا محاربة تنظيم حزب العمال الكرد...