الأربعاء، 11 مارس 2020

أصول السنة للإمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله

أصول السنة للإمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله
حدثنا الشيخ أبو عبدالله يحيى ابن أبي الحسن بن البنا قال: أخبرنا والدي أبو علي الحسن بن عمر بن البنا قال:  أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبدالله بن بشران المعدل قال:  أنا عثمان بن أحمد بن السماك قال: ثنا أبو محمد الحسن بن عبدالوهاب بن أبي العنبر قراءة عليه من كتابه في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وتسعين ومائتين )293هـ  (ثنا: أبو جعفر محمد بن سليمان المنقري البصري بتنيس قال: حدثني عبدوس بن ملك العطار قال:  سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل t يقول:
       أصول السنة عندنا:
 التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله ﷺ، والاقتداء بهم، وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة،  والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال، والخصومات في الدين، والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن،  وليس في السنة قياس،  ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء إنما هو الإتباع وترك الهوى.
 ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها:
الإيمان بالقدر خيره وشره والتصديق بالأحاديث فيه والإيمان بها لا يقال: )لم( ولا )كيف( إنما هو التصديق والإيمان بها، ومن لم يعرف تفسير الحديث، ويبلغه عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له فعليه الإيمان به والتسليمله له،  مثل حديث )الصادق المصدوق(، ومثل ما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤية كلها وإن نبت عن الأسماع ، واستوحش منها المستمع،  وإنما عليه الإيمان بها وأن لا يرد منها حرفا واحد، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات، وأن لا يخاصم أحدا ولا يناظره ولا يتعلم الجدال، فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه ومنهي عنه،  لا يكون صاحبه وإن أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال ويؤمن بالآثار.
والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ولا يصف ولا يصح أن يقول ليس بمخلوق قال فإن كلام الله ليس ببائن منه وليس منه شيء مخلوقا وإياك ومناظرة من أخذل فيه ومن قال باللفظ وغيره ومن وقف فيه فقال لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله فهذا صاحب بدعة مثل من قال هو مخلوق وإنما هو كلام الله ليس بمخلوق
والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روي عن النبي من الأحاديث الصحاح
وأن النبي قد رأى ربه فإنه مأثور عن رسول الله صحيح رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ورواه الحكم بن إبان عن عكرمة عن ابن عباس ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي والكلام فيه بدعة ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا نناظر فيه أحدا
والإيمان بالميزان يوم القيامة كما جاء يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة
ويوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر والإيمان به والتصديق به والإعراض عن من رد ذلك وترك مجادلته
وأن الله تعالى يكلمه العباد يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان والتصديق به
والإيمان بالحوض وأن لرسول الله حوضا يوم القيامة يرد عليه أمته عرضه مثل طوله مسيرة شهر آنيته كعدد نجوم السماء على ما صحت به الأخبار من غير وجه
الإيمان بعذاب القبر
وأن هذه الأمة تفتن في قبورها وتسأل عن الإيمان والإسلام ومن ربه ومن نبيه ويأتيه منكر ونكير كيف شاء وكيف أراد والإيمان به والتصديق به
والإيمان بشفاعة النبي وبقوم يخرجون من النار بعدما احترقوا وصاروا فحما فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء الأثر كيف شاء وكما شاء إنما هو الإيمان به والتصديق به
والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه كافر والأحاديث التي جاءت فيه والإيمان بأن ذلك كائن
وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لد
والإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما جاء في الخبر أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ومن ترك الصلاة فقد كفر وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة من تركها فهو كافر وقد أحل الله قتله
وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله لم يختلفوا في ذلك
ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة علي بن أبي طالب والزبير وعبدالرحمن بن عوف وسعد وطلحة كلهم للخلافة وكلهم إمام ونذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر كنا نعد ورسول الله حي وأصحابه متوافرون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله على قدر الهجرة والسابقة أولا فأولا
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله القرن الذي بعث فيهم كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ورآه فهو من أصحابه له الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه نظر فأدناهم صحبة أفضل من القرن الذي لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال كان هؤلاء الذين صحبوا النبي ورأوه وسمعوا منه أفضل لصحبتهم من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير
والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به ومن عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين
والغزو ماض مع الإمام إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك
وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم
ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة من دفعها إليهم أجزأت عنه برا كان أو فاجرا
وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه جائزة باقية تامة ركعتين من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم فالسنة بأن يصلي معهم ركعتين وتدين بأنها تامة لا يكن في صدرك من ذلك شيء
ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو الغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية
ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق
وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنها بكل ما يقدر وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك وينوي بجهده أن لا يقتل أحدا فإن مات على يديه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشهادة كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنما أمر بقتاله ولم يؤمر بقتله ولا اتباعه ولا يجيز عليه إن صرع أو كان جريحا وإن أخذه أسيرا فليس له أن يقتله ولا يقيم عليه الحد ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فحكم فيه
ولا نشهد على أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار نرجو للصالح ونخاف عليه ونخاف على المسيء المذنب ونرجو له رحمة الله
ومن لقي الله بذنب يجب له النار تائبا غير مصر عليه فإن الله يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات
من لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء في الخبر عن رسول الله 26 ومن لقيه مصرا غير تائب من الذنوب التي استوجب بها العقوبة فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
ومن لقيه من كافر عذبه ولم يغفر له
والرجم حق على من زنا وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينته وقد رجم رسول الله والأئمة الراشدون
ومن انتقص أحدا من أصحاب رسول الله أو بغضه بحدث منه أو ذكر مساويه كان مبتدعا حتى يترحم عليهم جميعا ويكون قلبه لهم سليما
والنفاق هو الكفر أن يكفر بالله ويعبد غيره ويظهر الإسلام في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله
ثلاث من كن فيه فهو منافق على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نقيسها وقوله لا ترجعوا بعدي كفارا ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ومثل إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار ومثل سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ومثل من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ومثل كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق ونحو هذه الأحاديث مما قد صح وحفظ فإنا نسلم له وإن لم نعلم تفسيرها ولا نتكلم فيها ولا نجادل فيها ولا نفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت لا نردها إلا بأحق منها
والجنة والنار مخلوقتان كما جاء عن رسول الله دخلت الجنة فرأيت قصرا ورأيت الكوثر واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا واطلعت في النار فرأيت كذا وكذا فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار
ومن مات من أهل القبلة موحدا يصلى عليه ويستغفر له ولا يحجب عنه الاستغفار ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيرا أمره إلى الله تعالى

آخر الرسالة والحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله وسلم تسليما
سمع جميع الرسالة من لفظ الشيخ الإمام أبي عبدالله يحيى بن أبي على الحسن بن أحمد بن البنا بروايته عن والده الشيخ الإمام المهذب أبو المظفر عبدالملك بن علي ابن محمد الهمداني وقال بها أدين الله
وسمعها كاتبها صاحب النسخة وكاتبها عبدالرحمن بن هبة الله بن المعراض الحراني وذلك في أواخر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وخمسمائة الحمد لله سمعها من لفظي ولدي أبو بكر عبدالله وأخوه بدر الدين حسن وأمه بلبل بنت عبدالله وبعضه عبدالهادي وصح ذلك يوم الاثنين سابع عشرين شهر جمادي الأولى سنة سبع وتسعين


الثلاثاء، 10 مارس 2020

فوائد حديث التحصن من فجأة البلاء، ومن كل ضر ووباء..



بسم الله الرحمن الرحيم
فوائد حديث التحصن من فجأة البلاء، ومن كل ضر ووباء..


     عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - عليه الصلاة والسلام - يَقُولُ: " مَنْ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاث مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَة بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاث مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَة بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ " رواه أبو داود (5088)، والترمذي (3388)، وصححه الألباني - رحم الله الجميع -.
    وفي لفظ الترمذي: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاث مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ ".
    يستفاد من هذا الحديث جملة فوائد:
أولا: إرشاد النبي - عليه الصلاة والسلام - إلى قول هذا الذكر من رحمته - صلوات الله وسلامه عليه - بأمته ورأفته بهم..
     قال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}
    قال العلامة السعدي - رحمه الله - عند تفسير الآية : " { بالمؤمنين رؤوف رحيم } أي : شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم. ولهذا كان حقه مقدما على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمان به، و تعظيمه، وتوقيره، وتعزيره " انتهى.
ثانيا: الذكر في هذا الحديث من جملة الأذكار التي هي دواء للروح والبدن..، = [لم تصبه فجأة بلاء!  / لم يضره شيء!]..، وكما قال عبد الله بن عون - رحمه الله -: " ذكر الناس داء، وذكر الله دواء “.
     قال الإمام الذهبي - رحمه الله - معلقا على كلام ابن عون: " قلت: إي والله، فالعجب منا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداء، قال الله تعالى : { فاذكروني أذكركم }، { ولذكر الله أكبر}، { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب }، ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله، ومن أدمن الدعاء ولازم قرع الباب فتح له " السير 6/369.
       و" ههنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها، هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحل، وقوة همة الفاعل وتأثيره " الجواب الكافي للإمام ابن القيم - رحمه الله - ص: 8.
ثالثا: يستفاد من الحث على الذكر الوارد في الحديث لتجنب الضر وفجأة البلاء: أن ( الوقاية خير من العلاج) ، وفي اصطلاح المتشرعة :" الدفع مقدم على الرفع "!..، فالذاكر لله في عافية بفضله - سبحانه - ورحمته ..، و[ ذكر الله حصن ! ]، ولذا ألف الإمام ابن الجزري - رحمه الله - كتابا في ذكر الله بعنوان : ( عدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين ).
     قال صاحب (كشف الظنون) 1/669 : " لقد أحسن من قال :
إن نابك الأمر المهو * ل اذكر إله العالمينا
وإذا بغى باغ علي * ك فدونك الحصن الحصينا " انتهى.
رابعا: مما يستفاد من الحديث: الرجوع إلى الله تعالى ب  [ التعوذ به - جل وعلا - من كل ضر وبلاء ! ]..
     قال تعالى : { قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق }
    قال العلامة صديق حسن خان - رحمه الله - عند قوله - سبحانه - {من شر ما خلق } : " فمعناه : من كل شر من أي مخلوق قام به الشر، من حيوان أو غيره، إنسيا كان، أو جنيا، أو هامة، أو دابة، أو ريحا، أو صاعقة، أي نوع كان من أنواع البلاء في الدنيا والآخرة " الدين الخالص 2/196.
   وعند مسلم في صحيحه قال عليه الصلاة والسلام: " إذا نزل أحدكم منزلا، فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه "
    قال الإمام أبو العباس القرطبي المالكي - رحمه الله - عند هذا الحديث :" هذا خبر صحيح، وقول صادق، علِمنا صدقه دليلا وتجربة، فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت عليه، فلم يضرني شيء إلى أن تركته، فلدغتني عقرب بالمهدية ليلا، فتفكرت في نفسي، فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات .." المفهم 7/36.
خامسا: مما يستفاد من الحديث: [التعلق بالله تعالى ! ]، و مما يحمل منه على شهود هذا المشهد قوله : " وهو السميع العليم "
     قال العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسي - رحمه الله - عند شرح الحديث:" ( وهو السميع العليم ) لا يخفى ما في الختم بهذين الاسمين الكريمين من مناسبة المقام، فهو تعالى السميع لذاكر اسمه، العليم باعتماده وتوكله عليه " تحفة المخلصين بشرح عدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين 1/418.

     وقال الشيخ عبد الرزاق البدر - حفظه الله -:" (وهو السميع العليم) أي : السميع لأقوال العباد، و العليم بأفعالهم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء " فقه الأدعية والأذكار 3/13.
     والمتعلق بالله تعالى يشهد مشهد التقوى، والمتقي موعود بالفرج حيث لا تضيق عليه المخارج..

    قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: " ضاق بي أمر أوجب غما لازما دائما، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه؛ فما رأيت طريقا للخلاص، فعرَضَت لي هذه الآية: { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى، فوجدت المخرج " صيد الخاطر ص : 332.
سادسا: يستفاد من ذكره تعالى (صباحا ومساء) كما في الحديث أعلاه: [ تجديد الصلة بالله تعالى، وعمارة طرفي النهار بالذكر ! ]، و شاهده من القرآن قوله - سبحانه - : {وسبحوه بكرة وأصيلا }
     قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية: " وقوله: { وسبحوه بكرة وأصيلا } أي : عند الصباح والمساء، كقوله : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون }" تفسير ابن كثير 6/436.
     وقال العلامة ابن عاشور - رحمه الله -: " والمقصود من البكرة والأصيل إعمار أجزاء النهار بالذكر والتسبيح بقدر المُكْنة لأن ذكر طرفي الشيء يكون كناية عن استيعابه " التحرير والتنوير 22/48.

سابعا : يستفاد من تكرار الذكر (ثلاثا) كما في الحديث : [ تقوية حصن الذكر ! ]، بشرط تفهمه وحضور القلب عنده، فالأذكار عموما، وذكر الصباح والمساء خصوصا بمثابة الدرع كلما زادت سماكته ازدادت قوته ..

     قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - في كلام له مسموع : " الأوراد الشرعية حصن منيع أشد من سد يأجوج ومأجوج ".

    مع التنبه إلى ضرورة لزوم العدد المحدد كما جاء عن نبينا - عليه الصلاة والسلام - ففي ذلك : [ شهود مشهد العبودية لله - تعالى - ! ]، و [ الوقوف عند حقيقة الاتباع لرسول الله - عليه الصلاة والسلام - ! ].

  قال صاحب نظم الكفاف في الفقه المالكي الشيخ محمد مولود بن أحمد فال ( آدّ) الشنقيطي - رحمه الله - ص : 10  :

وكرهوا جواز ما الشارع حد * كصاع فطرة وتسبيح ورد


ثامنا : الذكر الوارد في الحديث أعلاه يشهد معه الذاكر :

- [ مشهد رحمة الله بمعافاة عباده من فجأة البلاء ! ]   قال سبحانه :  { ورحمتي وسعت كل شيء }.

- و [ مشهد قدرته - تعالى - بوقاية خلقه من الداء ! ]، قال عز وجل : { والله على كل شيء قدير }.

- و [ مشهد افتقار العباد إليه حيث ينيبوا إلى ربهم لدفع الوباء ! ]، قال جل شأنه : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد }.

       وهذه المشاهد تستدعي الرجاء في رحمته تعالى وفضله، والخوف من غضبه وعقابه، ومحبته لمنته وكرمه.


تاسعا : يستفاد من قوله في الحديث : ( لا يضر مع اسمه شيء) و ( لم تصبه فجأة البلاء) : [ مشهد اليقين في الله ! ]، وهو مشهد يستحق إفراده بالتنويه ..

   فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : " الصبر شطر الإيمان، واليقين الإيمان كله ".

     وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : " اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون، وهو مع المحبة ركنان للإيمان، وعليهما ينبني وبهما قوامه، وهما يُمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، و عنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تفتح بالمحبة واليقين، وهما يثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم " المدارج 2/ 397.

عاشرا : من عظيم ما يستفاد من الحديث : أن [ القدر يرد بالقدر ! ]، ومن ذلك أن ( قدر الضرر والبلاء ) يُرد ب ( قدر التضرع والذكر والدعاء ).

    قال عمر - رضي الله عنه - :" نفر من قدر إلى قدر الله "!.

   وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : " .. بل الفقيه كل الفقيه الذي يرد القدر بالقدر، ويدفع القدر بالقدر، ويعارض القدر بالقدر، بل لا يمكن الإنسان يعيش إلا بذلك، فإن الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر، والخلق كلهم ساعون في دفع هذا القدر بالقدر " الداء والدواء ص : 34.


    والله المستعان ..، وعليه التكلان ..


       كتبه [ يومه الأحد 6 رجب 1441 هـ / الموافق ل 1 مارس 2020 م ] :


      أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني - عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي -

الأربعاء، 4 مارس 2020

ظاهرة التهريج في الوعظ. - الشيخ ابو أويس رشيد الإدريسي -


بسم الله الرحمن الرحيم
ظاهرة ( التهريج )في الوعظ ..



الوعظ أسلوب دعوي له أهميته البالغة في إصلاح القلوب ، وتهذيب النفوس ، وهو من المسالك النبوية حيث كان عليه الصلاة والسلام يتعهد أصحابه - رضي الله عنهم - بالمواعظ ، ويهذب نفوسهم بما يرقق قلوبهم ، قال سبحانه في حقه : { مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله } ..

والموعظة كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : " الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب " التفسير القيم ص: 34 4.

ومما يجب مراعاته في هذا المقام : لزوم الجادة في الوعظ وفق الهدي النبوي ، والمنهج السلفي ، فاتخاذ مسلك معين في ذلك على خلاف ما كان في الزمن الأول من ( البدع)! ..

فلا بد - إذن - من آداب عند الوعظ ، وشروط وضوابط تُذكر عند المتشرعة تحت عنوان ( فقه الوعظ)! ، وبسط الكلام في هذا طويل ، وليس هو المقصود بهذا المرقوم ، وعموما فالوعظ كغيره يحتاج إلى أهلية ومعرفة وملكة تخصه..

قال العلامة جمال الدين القاسمي - رحمه الله - : " موعظة العامة والتصدي لإرشادهم في الدروس العامة ، من الأمور المهمة المنوطة بخاصة الأمة ، إذ هم أمناء الشرع ، ونور سراجه ، ومصابيح علومه ، وحفاظ سياجه " موعظة المؤمنين ص: 3 .

ومن الظواهر التي ابتليت بها الساحة الدعوية من بعضهم فيما نحن بصدده : التوجه لوعظ الناس ونصحهم ب ( أسلوب التهريج 1 )! ، وهذا من المسالك المبتدعة المنكرة القبيحة.. ، ولا يُسعف في ذلك صحة نية فاعلة ، لأن " النيات الصحيحة لا تٌجَوز المسالك المخالفة للجادة المليحة"!.. ، كما لا يُسعف انتفاع بعض الناس بذلك ، لأن " حصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته " كما قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوي 1/ 264 ، ف ( الغاية لا تُسَوغ الوسيلة)!..

ولذا وجدنا السلف الصالح قد بدعوا طريقة القصاص 2 الذين انتهجوا طريقة في وعظ الناس وإرشادهم على خلاف ما دلت عليه الشريعة مع أن ( قصدهم نفع الناس وتوجيههم للخير)! ..، بل ( قد يتذكر بصنيعهم الغافل ، ويرتدع الفاسق)! ..، فتذكر..

قال الحافظ زين الدين العراقي - رحمه الله - في كتابه : ( الباعث على الخلاص من حوادث القصاص) ص: 68 بتحقيق محمد الصباغ ، بعد أن ساق حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - : " فكان مما ( أُحدث) بعده - عليه الصلاة والسلام - ما أحدثه القصاص بعده ، مما أنكره جماعة من الصحابة عليهم .. " .

وقال الدكتور محمد الصباغ في كتابه ( تاريخ القصاص) نقلا عن محقق كتاب ( المذكرة والتذكير والذكر ) ص : 30 بتصرف : " وقد يظن ظان أن موضوع إفساد القصاص لم يعد موجودا الآن ، وإنما هو أمر تاريخي بحت لا يتصل اليوم بواقع الحياة والناس ، وهذا ظن خاطئ بعيد عن الصواب ، ذلك لأن هؤلاء القصاص ما زالوا مع الأسف موجودين بأسماء أخرى يعيثون في الأرض فسادا ، ولئن كان المخادعون الدجالون يظهرون تحت عنوان (القصاص) فيما مضى ، فإنهم يظهرون في أيامنا هذه تحت عنوان (الداعية)، و (الموجه)، و (المربي)، و ( الأستاذ) ، و (الكاتب)، و ( المفكر) ...، وما إلى ذلك من الألقاب الرنانة ، ويبدو أن المجاملة التي ليست في محلها أسهمت في تأخير كشف حقيقة هذا النفر... ، فما يزال كثير من الناس لا يعرفون هؤلاء القوم على حقيقتهم ، ويخلطون بين هؤلاء الجهال وبين الدعاة إلى الله الواعين الصادقين " انتهى.

والذي يؤكد ( بِدْعية) أسلوب التهريج في الوعظ ، مخالفته للحقيقة الشرعية لمفهوم الموعظة في القرآن ..

قال تعالى : { وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا } ، ومثله ما جاء في حديث العرباض - رضي الله عنه : " وعظنا رسول الله - عليه الصلاة والسلام - موعظة (بليغة)! ".

وقال تعالى : { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدرر وهدى ورحمة للمؤمنين }.

فتأمل لفظة : ( بليغا) ، ( بليغة)، ( شفاء) ، (هدى) ، (رحمة)

فمعاني هذه الألفاظ تباين كل المباينة أسلوب التهريج في الموعظة (!!) ...


وجماع مفهوم الحقيقة الشرعية للوعظ في القرآن : ( الموعظة الحسنة) ..

قال تعالى : { أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }.

قال البيضاوي - رحمه الله في تفسير الآية : " ..( بالحكمة): بالمقالة المحكمة ، وهو الدليل الموضح للحق ، المزيح للشبهة ، ( والموعظة الحسنة) : الخطابات المقنعة ، والعبر النافعة ، فالأولى : لدعوة خواص الأمة الطالبين للحقائق ، والثانية : لدعوة عامتهم. ( وجادلهم) : وجادل معانديهم ، ( بالتي هي أحسن) : بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين وإيثار الوجه الأيسر، والمقدمات التي هي أشهر، فإن ذلك أنفع في تسكين لهبهم ، وتبيين شغبهم " تفسير البيضاوي.

وعليه ؛ فلابد أن يكون الواعظ في وعظه على منهج صحيح ، وأسلوب مليح بعيدا عن ( التهريج والفكاهة)!! ..، ولا تستهن - يا رعاك الله - بمغزى هذه المقالة ، فإن أهميتها تكمن في ضرورة إصلاح الواسطة أي : من يعظ الناس وينصحهم ويوجههم فإنه واسطة بين الله وعباده فتنبه.

قال ابن الجوزي - رحمه الله - :" كان الوعاظ من قديم الزمان من العلماء والفقهاء ... حتى إذا خست هذه الصناعة تعرض لها الجهال فأعرض عن الحضور المميزون من الناس ، وتعلق بهم العوام والنساء ، فلم يتشاغلوا بالعلم ، وأقبلوا على القصص ، وما يعجب الجهلة ، و(تنوعت البدع في هذا الفن)!! " تلبيس إبليس ص : 123 .

قلت : هذا قوله - رحمه الله - في زمانه ، فما الذي سيقوله لو أدرك زماننا ؟!

والله المستعان ..

.................................

1. إذا كانت " الدُّعابة بشرطها " عارضة وأحيانا في ثنايا الموعظة كالملح في الطعام.. ، فلا بأس في ذلك..

2. ورد عن بعض السلف والعلماء الحث على "القصص" ، والدعوة إلى سلوك مسلك "القص"، لكن المقصود بذلك : الوعظ والتذكير وفق ما جاء في الكتاب والسنة ، وأنصح في خصوص موضوع القصاص بقراءة كتاب : ( منهج القصاص في الدعوة إلى الله) للدكتور عبد الله بن إبراهيم الطويل.


كتبه :
أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني - عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي -



قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني PKK | تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني pkk   تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي. "لماذا تعتبر تركيا محاربة تنظيم حزب العمال الكرد...