الأحد، 4 فبراير 2018

ﻳﺎ ﻏﺎﻓﻼ‌ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ (!!) .. | ﺃﺑﻮ ﺃﻭﻳﺲ ﺭﺷﻴﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻹ‌ﺩﺭﻳﺴﻲ ﺍﻟﺤﺴﻨﻲ

 

 ﻳﺎ ﻏﺎﻓﻼ‌ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ (!!) ...
ﺃﺑﻮ ﺃﻭﻳﺲ ﺭﺷﻴﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻹ‌ﺩﺭﻳﺴﻲ ﺍﻟﺤﺴﻨﻲ
بسم الله الرحمن الرحيم

  ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻻ‌ ﻳﻘﺮﻉ ﺑﺎﺑﺎ، ﻭﻻ‌ ﻳﻬﺎﺏ ﺣﺠﺎﺑﺎ، ﻭﻻ‌ ﻳﻘﺒﻞ ﺑﺪﻳﻼ‌، ﻭﻻ‌ ﻳﺄﺧﺬ ﻛﻔﻴﻼ‌، ﻭﻻ‌ ﻳﺮﺣﻢ ﺻﻐﻴﺮﺍ، ﻭﻻ‌ ﻳﻮﻗﺮ ﻛﺒﻴﺮﺍ.

    ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ -: "ﻫﻮ ﺍﻟﺨﻄﺐ ﺍﻷ‌ﻓﻈﻊ، ﻭﺍﻷ‌ﻣﺮ ﺍﻷ‌ﺷﻨﻊ، ﻭﺍﻟﻜﺄﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﻃﻌﻤﻬﺎ ﺃﻛﺮﻩ ﻭﺃﺑﺸﻊ" التذكرة .

    ﻓﺈﻥ ﺃﻣﺮﺍ ﻳﻘﻄﻊ ﺃﻭﺻﺎﻟﻚ، ﻭﻳﻔﺮﻕ ﺃﻋﻀﺎﺀﻙ، ﻭﻳﻬﺪﻡ ﺃﺭﻛﺎﻧﻚ، ﻟﻬﻮ ﺍﻷ‌ﻣﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺍﻟﺨﻄﺐ ﺍﻟﺠﺴﻴﻢ، ﻭﻟﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺃﻥ ﻳﻀﻊ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧَﺼﺐ ﻋﻴﻨﻴﻪ، ﻭﻻ‌ ﻳﻐﻔﻞ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ، ﻭﻻ‌ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻋﻨﻪ ﻳﻤﻨﺔ ﻭﻻ‌ ﻳﺴﺮﺓ.

     ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﻓﺄﺻﺎﺑﺘﻜﻢ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ) ﻓﺈﻥ ﺍﻷ‌ﻋﻈﻢ ﻣﻨﻪ ﻣﺼﻴﺒﺔ: ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻋﻨﻪ، ﻭﺍﻹ‌ﻋﺮﺍﺽ ﻋﻦ ﺫﻛﺮﻩ، ﻭﻗﻠﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ، ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻪ.

    ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻘﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﺍﻟﺴﻴﻮﻃﻲ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ (ﺑﺸﺮﻯ ﺍﻟﻜﺌﻴﺐ ﺑﻠﻘﺎﺀ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ): "ﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻡ ﻣﺤﺾ، ﻭﻻ‌ ﻓﻨﺎﺀ ﺻﺮﻑ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺗﻌﻠﻖ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺎﻟﺒﺪﻥ، ﻭﺗﺒﺪﻝ ﺣﺎﻝ، ﻭﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺩﺍﺭ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺭ".

    ﻭﻗﺪ ﺍﺟﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ: 

1. (ﻫﻮ ﺣﻖ ﻻ‌ ﺭﻳﺐ ﻓﻴﻪ ﻭﻻ‌ ﺷﻚ)، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﺗَﺒَﺎﺭَﻙَ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﺑِﻴَﺪِﻩِ ﺍﻟْﻤُﻠْﻚُ ﻭَﻫُﻮَ ﻋَﻠَﻰ ﻛُﻞِّ ﺷَﻲْﺀٍ ﻗَﺪِﻳﺮٌ، ﺍﻟَّﺬِﻱ ﺧَﻠَﻖَ ﺍﻟْﻤَﻮْﺕَ ﻭَﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓَ ﻟِﻴَﺒْﻠُﻮَﻛُﻢْ ﺃَﻳُّﻜُﻢْ ﺃَﺣْﺴَﻦُ ﻋَﻤَﻼ‌ً)، ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ( ﺇِﻧَّﻚَ ﻣَﻴِّﺖٌ ﻭَﺇِﻧَّﻬُﻢ ﻣَّﻴِّﺘُﻮﻥَ)، ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ( ﻛُﻞُّ ﻣَﻦ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎ ﻓَﺎﻥ ﻭَﻳَﺒْﻘَﻰ ﻭَﺟْﻪُ ﺭَﺑِّﻚَ ﺫُﻭ ﺍﻟْﺠَﻠَﺎﻝِ ﻭَﺍﻟْﺈِﻛْﺮَﺍﻡِ)، ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ( ﻛُﻞُّ ﻧَﻔْﺲٍ ﺫَﺍﺋِﻘَﺔُ ﺍﻟْﻤَﻮْﺕ). 

ﻭﻗﺪ ﻗُﺮﺭﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻓﻲ ﺳﻨﺔ ﻧﺒﻴﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ- ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﻷ‌ﻭﻟﻮﻱ، ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﻛَﻴْﻒَ ﺗَﻜْﻔُﺮُﻭﻥَ ﺑِﺎﻟﻠَّﻪِ ﻭَﻛُﻨﺘُﻢْ ﺃَﻣْﻮَﺍﺗﺎً ﻓَﺄَﺣْﻴَﺎﻛُﻢْ ﺛُﻢَّ ﻳُﻤِﻴﺘُﻜُﻢْ ﺛُﻢَّ ﻳُﺤْﻴِﻴﻜُﻢْ ﺛُﻢَّ ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﺗُﺮْﺟَﻌُﻮﻥَ)، ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻻ‌ ﻧﺸﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻌدم ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻼ‌ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻷ‌ﻛﺒﺮ. 

ﻭﺳﻦ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻋﻨﺪ ﺍﻻ‌ﺿﻄﺠﺎﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ: "ﺑﺎﺳﻤﻚ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﻣﻮﺕ ﻭﺃﺣﻴﺎ"، ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻻ‌ﺳﺘﻴﻘﺎﻅ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ: "ﺍﻟﺤﻤﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﻴﺎﻧﻲ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺃﻣﺎﺗﻨﻲ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻨﺸﻮﺭ"، ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻗﻴﺎﺳﺎ ﻟﻠﻤﻮﺕ ﺍﻷ‌ﻛﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ‌ ﻧﺸﻚ ﻓﻴﻪ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻷ‌ﺻﻐﺮ، ﻭﻣﺎ ﺫﺍﻙ ﺇﻻ‌ ﻟﻠﺪﻻ‌ﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻨﺎ (ﺳﻨﻤﻮﺕ ﻛﻤﺎ ﻧﻨﺎﻡ، ﻭﺳﻨﺒﻌﺚ ﻛﻤﺎ ﻧﺴﺘﻴﻘﻆ)..

2. (ﻭﻗﺘﻪ ﻣﺠﻬﻮﻝ)، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻋِﻨﺪَﻩُ ﻋِﻠْﻢُ ﺍﻟﺴَّﺎﻋَﺔِ ﻭَﻳُﻨَﺰِّﻝُ ﺍﻟْﻐَﻴْﺚَ ﻭَﻳَﻌْﻠَﻢُ ﻣَﺎ ﻓِﻲ ﺍﻟْﺄَﺭْﺣَﺎﻡِ ﻭَﻣَﺎ ﺗَﺪْﺭِﻱ ﻧَﻔْﺲٌ ﻣَّﺎﺫَﺍ ﺗَﻜْﺴِﺐُ ﻏَﺪﺍً ﻭَﻣَﺎ ﺗَﺪْﺭِﻱ ﻧَﻔْﺲٌ ﺑِﺄَﻱِّ ﺃَﺭْﺽٍ ﺗَﻤُﻮﺕ). 

ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻵ‌ﻳﺔ: "ﺃﻱ ﻟﻴﺲ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺪﺭﻱ ﺃﻳﻦ ﻣﻀﺠﻌﻪ ﻣﻦ ﺍﻷ‌ﺭﺽ، ﺃﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﺃﻭ ﺑﺮ ﺃﻭ ﺳﻬﻞ ﺃﻭ ﺟﺒﻞ".

ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻗﺎﻝ: "ﻣﻔﺎﺗﺢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺧﻤﺲ ﻻ‌ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻏﺪ ﺇﻻ‌ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻻ‌ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺒﻄﻦ ﺍﻷ‌ﺭﺣﺎﻡ ﺇﻻ‌ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻣﺎ ﺗﺪﺭﻱ ﻧﻔﺲ ﻣﺎﺫﺍ ﺗﻜﺴﺐ ﻏﺪﺍ، ﻭﻣﺎ ﺗﺪﺭﻱ ﻧﻔﺲ ﺑﺄﻱ ﺃﺭﺽ ﺗﻤﻮﺕ، ﻭﻻ‌ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﺣﺪ ﻣﺘﻰ ﻳﺠﻲﺀ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺛﻢ ﺗﻼ‌ ﺍﻵ‌ﻳﺔ"

ﻭﻣﻤﺎ (ﻳﺴﺘﺄﻧﺲ ﺑﻪ) ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭﻙ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻞ ﻟﻠﻨﺴﻔﻲ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﺃﻥ ﺃﺑﺎ ﺟﻌﻔﺮ ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﺭﺃﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﺴﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺃﺟﻠﻪ ﻓﺄﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻤﺲ، ﻓﻘﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﻓﺰﻋﺎ ﺧﺎﺋﻔﺎ، ﻓﻨﺎﺩﻯ ﺍﻟﺤﺮﺱ ﻓﻘﺎﻝ: ﻋﻠﻲ ﺑﺄﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻓﺠﺎﺀ ﺍﻹ‌ﻣﺎﻡ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ -، ﻓﺤﻜﻰ ﻟﻪ ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ- ﻳﺮﻳﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮﻫﺎ ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﺟﻠﻪ (!!) -، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ: ﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻚ ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻚ - ﺃﻱ ﺍﻟﻤﻠﻚ - ﺧﻤﺲ ﻻ‌ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﺇﻻ‌ ﺍﻟﻠﻪ".

3. (ﻭﻗﻮﻋﻪ ﻗﺮﻳﺐ) ﻓﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺃﻧﺲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ – "ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﺧﻂ ﺧﻄﺎ ﻃﻮﻳﻼ‌ ﻓﻲ ﺍﻷ‌ﺭﺽ ﻭﻗﺎﻝ: ﻫﺬﺍ ﺍﻹ‌ﻧﺴﺎﻥ، ﺛﻢ ﺧﻂ ﺧﻄﺎ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻨﻪ ﻭﻗﺎﻝ ﻫﺬﺍ ﺃﺟﻠﻪ، ﺛﻢ ﺧﻂ ﺧﻄﺎ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻓﻘﺎﻝ: ﻫﺬﺍ ﺃﻣﻠﻪ، ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺃﻣﻠﻪ ﺇﺫ ﺟﺎﺀﻩ ﺍﻷ‌ﻗﺮﺏ (ﺃﻱ: ﺍﻷ‌ﺟﻞ) ﺃﻭ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ - ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼ‌ﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼ‌ﻡ -".

ﻭﻓﻲ ﺻﺤﻴﺢ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻗﺎﻝ: "ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻣﻦ ﺷﺮﺍﻙ ﻧﻌﻠﻪ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ".

ﻓﻤﻦ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻪ ﻓﻤﺎ ﻧﺰﻝ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ.

ﻭﻷ‌ﺟﻞ ﻋﻈﻢ ﺷﺄﻧﻪ ﺣﺜﻨﺎ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻋﻠﻰ ﺍﻹ‌ﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺫﻛﺮﻩ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻗﺎﻝ ﺳﻤﻌﺖ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻳﻘﻮﻝ: "ﺃﻛﺜﺮﻭﺍ ﺫﻛﺮ ﻫﺎﺩﻡ (ﻫﺎﺫﻡ / هادم) ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺕ".

ﻓﺎﻟﻬﺎﺩﻡ: ﺑﺎﻟﺪﺍﻝ ﺍﻟﻤﻬﻤﻠﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺰﻳﻞ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺃﺻﻠﻪ ﻭﻻ‌ ﻳﺒﻘﻲ ﻟﻪ ﺃﺛﺮﺍ، ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻄﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻻ‌ ﻳﺒﻘﻲ ﻟﻬﺎ ﺃﺛﺮﺍ. 

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻬﺎﺫﻡ: ﺑﺪﺍﻝ ﻣﻌﺠﻤﺔ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺮﻕ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻛﺬﻟﻚ ﺣﻴﺚ ﻳﻔﺮﻕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﺪﻥ. 

   ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ إرشاد ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻹ‌ﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻧﻪ ﺣﻴﺎﺓ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﻛﺬﻛﺮ ﺍﻟﺮﺏ - ﺟﻞ ﻭﻋﻼ‌ -، ﻓﻘﺪ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻹ‌ﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ - ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻹ‌ﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻼ‌ﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼ‌ﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ – ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼ‌ﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼ‌ﻡ - ﻭﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻷ‌ﻥ ﻛﻼ‌ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﺮﻗﻖ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺍﻹ‌ﻧﺴﺎﻥ ﻳﻨﻴﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺏ ﻭﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻳُﺬِّﻛﺮ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ - ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺗﺬﻛﻴﺮ ﻟﻨﺎ- ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ، ﻓﻌﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ -ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﺇﺫﺍ ﺫﻫﺐ ﺛﻠﺚ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻗﺎﻡ ﻓﻘﺎﻝ: "ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﺫﻛﺮﻭﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﺎﺀﺕ ﺍﻟﺮﺍﺟﻔﺔ ﺗﺘﺒﻌﻬﺎ ﺍﻟﺮﺍﺩﻓﺔ، ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ، ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ" ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﺪﺭﻛﻪ ﻭﺻﺤﺤﻪ ﻭﺃﻗﺮﻩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ. 

ﻭﻗﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﺃﻥ ﺃﻛﻴﺲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﻛﺮﻣﻬﻢ: ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺫﻛﺮﺍ ﻟﻠﻤﻮﺕ ﻭﺃﺷﺪﻫﻢ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍ ﻟﻪ. 

ﻓﻌﻦ ﺍﺑﻦ ﻋﻤﺮ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﻗﺎﻝ: ﺃﺗﻴﺖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻋﺎﺷﺮ ﻋﺸﺮﺓ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺍﻷ‌ﻧﺼﺎﺭ: ﻣﻦ ﺃﻛﻴﺲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺫﻛﺮﺍ ﻟﻠﻤﻮﺕ ﻭﺃﺷﺪﻫﻢ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍ ﻟﻪ، ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻫﻢ ﺍﻷ‌ﻛﻴﺎﺱ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﺑﺸﺮﻑ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻛﺮﺍﻣﺔ ﺍﻵ‌ﺧﺮﺓ" ﺭﻭﺍﻩ ﺍﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻭﺳﻨﺪﻩ ﺟﻴﺪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﻓﻲ ﺗﺨﺮﻳﺞ ﺍﻹ‌ﺣﻴﺎﺀ.

    ﻭﻟﻺ‌ﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻮﺍﺋﺪ ﻣﻨﻬﺎ: 

- ﺗﻌﺠﻴﻞ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﻗﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻧﺸﺎﻁ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ.. 

ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺪﻗﺎﻕ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ -: "ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻛﺮﻡ ﺑﺜﻼ‌ﺛﺔ ﺃﺷﻴﺎﺀ: ﺗﻌﺠﻴﻞ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﻗﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻧﺸﺎﻁ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ".

- ﺍﻟﻤﻜﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻻ‌ ﻳﻔﺮﺡ ﺑﻤﻮﺟﻮﺩ ( = ﻓﺮﺡ ﻳﻨﺴﻴﻪ ﺭﺑﻪ ) ﻭﻻ‌ ﻳﺤﺰﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻘﻮﺩ ( = ﻳﻨﺴﻴﻪ ﺧﺎﻟﻘﻪ )

ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺘﻴﻤﻲ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ -: "ﺷﻴﺌﺎﻥ ﻗﻄﻌﺎ ﻋﻨﻲ ﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ: ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻭﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ". 

ـ ﺍﻹ‌ﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺳﺒﺐ ﻟﻘﺼﺮ ﺍﻷ‌ﻣﻞ، ﻓﻬﺬﺍ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﺍﻟﻜﺮﺧﻲ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻗﺪﻡ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻴﺼﻠﻲ ﺑﻬﻢ ﺻﻼ‌ﺓ ﺍﻟﻈﻬﺮ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ: ﻟﻮ ﺻﻠﻴﺖ ﺑﻜﻢ ﺻﻼ‌ﺓ ﺍﻟﻈﻬﺮ ﻻ‌ ﺃﺻﻠﻲ ﺑﻜﻢ ﺻﻼ‌ﺓ ﺍﻟﻌﺼﺮ، ﻓﺠﺬﺑﻪ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻧﻌﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻫﺬﺍ ﻃﻮﻝ ﺃﻣﻞ. 

ـ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻮﻋﻈﺔ، ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻆ ﺑﻪ ﻓﻼ‌ ﻣﻮﻋﻈﺔ ﻟﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ -، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻳﺠﻤﻊ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻓﻴﺘﺬﺍﻛﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻭﺍﻵ‌ﺧﺮﺓ ﻓﻴﺒﻜﻮﻥ ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥ ﺑﻴﻦ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﺟﻨﺎﺯﺓ.

    ﻛﺘﺒﻪ :
ﺃﺑﻮ ﺃﻭﻳﺲ ﺭﺷﻴﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻹ‌ﺩﺭﻳﺴﻲ ﺍﻟﺤﺴﻨﻲ - ﻋﺎﻣﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻠﻄﻔﻪ ﺍﻟﺨﻔﻲ ﻭﻛﺮﻣﻪ ﺍﻟﻮﻓﻲ -

السبت، 27 يناير 2018

التحذير من الاستخفاف بالناس واحتقارهم | الشيخ الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم (حفظه الله)




التحذير من الاستخفاف بالناس واحتقارهم 
الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم (حفظه الله)
بسم الله الرحمن الرحيم

الأخلاقُ في حياةِ الإنسان نقطةُ ارتِكازٍ تنطلِقُ منها تصرُّفاتُه القوليَّة والعمليَّة، وبها يحصُلُ التوازُن في التعامُل مع الآخرين، والسَّير في مهامِهِ اختِلاف طِباعِهم وأمزِجَتهم.
وإن مُراغمةَ المرء حياتَه مع الناس بلا أخلاقٍ، ما هي إلا عبثٌ لامسؤول، يهدِمُ جُسورَ الثقة، وحُسن الظنِّ، وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه، ويقتَلِعُ جُذورَ المودَّة والتآلُف مِن الفؤاد، فيستبدِلُ الفؤادَ البلقَع بالفُؤاد المُربِع، فلا وُصولَ بعد ذلك إلى قلوبِ الناس المُؤدِّية إلى عقولِهم.
فما ثمَّة حينئذٍ إلا الوَحشة، وسُوء الظنِّ، وتقاذُف التُّهم بمضارِبِ وحشِيِّ الألفاظ، وأسِنَّة الشَّيطنة، وجَعل الصغيرة كبيرةً، والحَبَّة قُبَّةً. وإذا رأيتُم مثلَ ذلكم في فئةٍ ما، ففتِّشُوا عن أخلاقِهم.
قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «ليس المُؤمنُ بالطعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحِش، ولا البذِيء»؛ رواه الترمذي وغيرُه.
إن عقلَ المرء وحكمتَه كفِيلان بجَعله في مقامٍ سليمٍ مُعتدلٍ يميزُ به بين ما يَزِين وما يشِين، وما يجبُ تقديمُه وما يجبُ تأخيرُه، وما لا ينبَغي أن يُعطَى أكبرَ مِن حجمِه، وما لا ينبَغي أن يُهوَّن دُون مقامِه.
وجِماعُ ذلكم كلِّه في أن يُنزِلَ الأمورَ منازِلَها، ويُعطِيَ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فإنه لم يفعَل ذلكم فهو إما بليدُ الإحساس، وإما ذو استِخفافٍ بالأمور، ولا شكَّ أن كِلا السببَين مِن السُّوء بمكانٍ.
عيرَ أن الاستِخفافَ بالأمور هو أنكَرُ المُنكَرَين، وأسوءُ السَّوأتَين، وهو – أي: الاستِخفاف – إن كان عن جهلٍ فهو مُصيبة، وإن كان عن علمٍ فالمُصيبةُ أعظم.
وإنما يَعنِينا في هذه العُجالة هو الاستِخفافُ الذي يقعُ عن علمٍ؛ لأنه وبالٌ على صاحبِه مِن جهتَين:
أُولاهُما: علمُه بأنه مُستخِفٌّ.
وأُخراهما: تعمُّدُ إيقاعُ استِخفافِه بالشيء.
ثم إن المُستخِفَّ لا يعرِفُ قدرَ المسؤوليَّة، وهو أبعَدُ الناس عن حُقوقِ الآخرين، وإنه لم يأتِ الاستِخفاف في مقامِ مدحٍ قطُّ، فهو سجِيَّةٌ بغِيضَةٌ يقبُحُ مَن تدثَّرَ بها.
الاستِخفافُ والاحتِقارُ شرٌّ ومعرَّة تُلازِمان المُستخِفَّ، ما لم ينأَ بنفسِه عنهما؛ لأنهما يُضادَّان مُقتضيَات الأُخُوَّة، والعدل، والوسطيَّة، ومعرفة الحُقوق والواجِبات. إنه الاستِخفاف الذي يُولِّدُ التعيير، والشماتة، والاحتِقار، والاستِهزاء، والإهانة.
لذلك قال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «المُسلمُ أخُو المُسلم، لا يظلِمُه، ولا يخذُلُه، ولا يحقِرُه، التقوَى ها هنا – ويُشيرُ إلى صدرِه ثلاث مرات -، بحسبِ امرئٍ مِن الشرِّ أن يحقِرَ أخاه المُسلم، كلُّ المُسلم على المُسلم حرامٌ، دمُه ومالُه وعِرضُه»؛ رواه مسلم.
ألا إنه ما استخفَّ بالناسِ أحدٌ عرفَ حقَّ الله وحقَّ الناسِ عليه؛ لأن مَن استخفَّ بك فقد خانَكَ الإنصاف، فاستِخفافُ المرء بالشيء إنما هو استِخفافٌ بصاحبِ الشيء نفسِه.
وإن أخطرَ ما يكونُ الاستِخفاف حينما يتجاوزُ حُدودَ المُمارسة الفردية ليُصبِح ثقافةً يتبارَزُ بها المُستخِفُّون، وسَبقًا مُزرِيًا للمُتهوِّرين به أيُّهم يبلُغُ مِن الاستِخفاف ذروَتَه.
الاستِخفافُ – عباد الله – نتيجةُ شُعورٍ بنقصٍ في صُورة كمالٍ زائِفٍ، فيُدارِي المُستخِفُّ سَوءَة نقصِه بالاستِخفاف بغيرِه، ليُوهِمَ نفسَه والآخرين بكمالٍ مُزوَّر، وتفوُّقٍ على مَن سِواه، ومِثلُ هذا لا يقعُ مِنه الاستِخفافُ بغيرِه إلا إذا استحكَمَت فيه خِفَّةُ العقل والمنطِق.
وإن الناسَ لن يُوقِّرُوا امرءًا مُستخِفًّا، ولن يمدَحُوه، ولن يأنَسُوا قُربَه، فضلًا عن أن يكون عُنصرًا إيجابيًّا في مُجتمعهم ومُحيطِهم، بل على المُستخِفِّ تدورُ الدوائِر، ويرجِعُ ما طارَ مِن فِيهِ ليقعَ يومًا ما على أُذنَيه مِن فَمِ غيرِه.
فعن عاصِمِ بن ضَمرة، عن ابن مسعُودٍ – رضي الله تعالى عنه – قال: “البلاءُ مُوكَّلٌ بالقَول – أي: بالمنطِقِ -، فلو أن رجُلًا عيَّرَ رجُلًا برَضاع كلبةٍ لرضَعَها”.
ألا إنه لا يكثُرُ الاستِخفافُ إلا عندما تغِيبُ أمانةُ القلَم، وأمانةُ اللسان، وأمانةُ الإنصاف؛ ليبقَى المكانُ فارِغًا لحاضِناتِه، وهي: العُجب، والغُرور، واللامُبالاة، فيرضَعُ مِنها حتى يُفطَمَ بالكِبر الذي هو بَطَرُ الحقِّ، وغَمطُ الناس. نعم، الكِبرُ وإن كان صاحِبُه مِن أراذِلِ الناس؛ فإن الكِبرَ ليس حِكرًا على أشرافِ الناسِ وأغنيائِهم، وإنما يَجتالُ كلَّ نفسٍ مُهترِئةٍ وإن كانت مِن أراذِلِ الناسِ وسُوقَتِهم.
فقد ذكرَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – العائِلَ المُستكبِر مِن «الذين لا يُزكِّيهم الله، ولا يُكلِّمُهم، ولا ينظُرُ إليهم يوم القِيامة، ولهم عذابٌ أليم»؛ رواه مسلم.
وقد حذَّر سلَفُنا الصالِحُ مِن الاستِخفاف أيَّما تحذيرٍ، وبيَّنُوا أن مُثلَّثَ الأخلاق يشمَلُ أُمورَ المُروءَات، وأمورَ الدنيا، وأمور الأخرى.
وقد ذكرَ ابنُ المُبارَك وأيوبُ بن القِرِيَّة وغيرُهما أن مَن استخَفَّ بالعُلماء ذهبَت آخرتُه، ومَن استخَفَّ بالسُّلطان ذهبَت دُنياه، ومَن استخَفَّ بإخوانِه ذهبَت مُروءَتُه.
وحاصِلُ الأمر – عباد الله -: أن الاستِخفافَ صِفةٌ مرذُولةٌ تعِيبُ صاحِبَها، فربما أتلَفَت مُروءَتَه، أو دُنياه، أو أُخراه. والمُسلمُ الصادِقُ لا يستخِفُّ بأحدٍ مهما كان وضعُه، فلا يستخِفُّ بنسَبِ أحدٍ، ولا بوظيفتِه، ولا بفَقره، ولا بضعفِه، ولا بصِغرِه، ولا بجَهلِه.
ولا يستخِفُّ كذلكم بترتيبِ الأولويَّات مِن خلال تركِه الأهم، والمُهم، وتقديمِه المُهمَل وما لا فائِدةَ فيه، سواءٌ أكان قولًا أو فِعلًا.
كذلكم لا يستخِفُّ بخَصمِه وعدوِّه؛ فإن ذلك نقصٌ في التفكير، وقِصَرُ نظرٍ في تقديرِ العواقِبِ والمآلات.
وقد صدقَ مَن قال:
لا تحقِرنَّ صغيرًا في مُخاصَمةٍ****إن البَعوضةَ تُدمِي مُقلةَ الأَسَدِ
ألا إن الخُلُقَ أمانة، فأرُوا اللهَ مِن أنفُسِكم حفظَ الأمانات، ولا يغلِبَنَّكم الجهل وظُلم الأنفُس في إهمالِها، والتفريطِ بها، والله – جلَّ شأنُه – يقول: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: 72].

الأربعاء، 24 يناير 2018

عالمية الإسلام ... وموانع ظهور الهداية وقيام الحجة - الشيخ فتحي الموصلي ـحفظه الله ـ

بسم الله ..
 عالمية الإسلام ... وموانع ظهور الهداية وقيام الحجة

الشيخ فتحي الموصلي ـحفظه الله ـ

يدرك كل منصف لا يقع تحت ضغوط العاطفة أن العالم اليوم لم يجرب الإسلام وسماحته وشريعته وأحكامه إلا من خلال الأحزاب الدينية والتوجهات الساسية ... لهذا كانت تجربة مريرة لم تنهض أن تكون تجربة صحيحة فضلاً أن تكون ناضجة تصلح لهداية الناس أو أن تقوم بها الحجة ...


وهذه التجربة القاصرة في حجتها والمريرة في واقعها ، تعدى ضررها إلى عموم الناس من عامة المسلمين حتى فقدوا بسببها الثقة بالمرجعية العلمية وشككوا في الثوابت الشرعية ، وسعوا إلى المطالبة بالتغيير ولو أدى ذلك إلى الوقوع في المخالفات الشرعية وتضييع المصالح الكلية ... وهذا كله من نتائج فشل الأحزاب الدينية والسياسية ...

فالحكم على الإسلام بنتائج هذه الأحزاب المعاصرة ... هو محض الظلم ؛ فغاية ما يقال في الجملة : إن تجربة الأحزاب الدينية والحركات السياسية هي تجربة شخص يريد أن يقيم الإسلام بعقله وتجاربه البشرية تارة، وبالوسائل التي تناقض الإسلام تارة أخرى ؛ ( فهو يريد أن يقيم الشيء بنقيضه ) ... وهو عند التأمل يجعل تجربته الشخصية حاكمةً على الإسلام ... 
لهذا يتوهم من يظن أن الإسلام يظهر بمجرد الشعارات الدينية والتكتلات الحزبية والتنظيرات الكلامية والتجارب
الشخصية ...

الإسلام لا يظهر إلا ب ( الحجج القاطعة) و (الأعمال الصادقة ) و ( المقاصد الواضحة) و ( الأفكار النافعة ) و (التجارب الواعية) ...

*والخسارة الكبرى* عندما يكون شاغل البعض عند قراءة هذا الكلام هو البحث عن قصد الكاتب ... يا ترى من يعني الكاتب بهذه الكلمات ... فينشغل عن التأمل وتصحيح المسار بالدفاع عن الذات ؛ لهذا يقال له من غير تطويل ولا تكلف في التفصيل : التشخيص موجه إلى كل من كان مانعا للهداية وعائقا في ظهور حجة الإسلام ؛ وهو تشخيص مناصحة لا بقصد التشفي والمراغمة .

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني PKK | تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني pkk   تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي. "لماذا تعتبر تركيا محاربة تنظيم حزب العمال الكرد...