الإيمان بالرسل
شيخ محمد بن صالح العثيمين ـ
الرسل : جمع
(رسول) بمعنى : (مُرسَل) أي مبعوث بإبلاغ شيء .
والمراد هنا :
من أوحي إليه من البشر بشرع وأُمر بتبليغه .
وأول الرسل نوح - عليه السلام - وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى
: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا
إِلَى نُوحٍ وَالنَّبـِـيِّـيـنَ مِن بَعْدِهِ) [سورة النساء : 163] .
وفي صحيح
البخاري عن أنس بن مالك t في حديث الشَّفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذكر أن الناس يأتون
إلى آدم ؛ ليشفع لهم ، فيعتذر إليهم ويقول : ائتوا نوحـًا أول رسولٍ بعثه الله )
وذكر تمامَ الحديث (1) .
وقال الله تعالى
في محمد صلى الله عليه وسلم : (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ
أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبيِّينَ)
[سورة الأحزاب ] .
ولم تخلُ أمةٌ
من رسول ، يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه ، أو نبي يوحى إليه بشريعة من
قبله ؛ ليجـددهـا ، قـال الله تعـالى : ( وَلَقَدْ
بَعَثْنَـا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ
اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) [سورة النحل : 36]
وقال تعالى : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ) [سورة
فاطر : 36] .
وقال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ
يَحْكُمُ بـِهَا النَّبـِـيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُـواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ)
[سورة المائدة : 44].
والرسل بشر
مخلوقون ، ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء ، قال الله تعالى عن نبيه محمد
صلى الله عليه وسلم وهو سيد الرسل ، وأعظمهم جاهـًا عند الله : (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نـَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ
مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ
مِنَ
الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنـَاْ إِلاَّ نـَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة
الأعراف : 188].
وقال تعالى : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ
إِنِّي لَن يُجـِـيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجـِدَ مِن دُونِهِ
مُلْتَحَدًا) [سورة الجن : 21 ، 22] .
وتلحقهم خصائص البشرية : من المرض ، والموت ، والحاجة إلى الطعام ، و الشراب ، وغير ذلك ، قال الله تعالى
عن إبراهيم - عليه الصلاة و السلام - في وصفه لربه تعالى : ( وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذا مَرِضْـتُ
فَهُوَ يَشْفِيـنِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثـُمَّ يُحْيِينِ) [سورة الشعراء
: 79 ، 81] .
وقال النبي صلى
الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون ؛ فإذا نسيت ؛ فذكِّروني)
(2) .
وقد وصفهم الله
تعالى بالعبودية له في أعلى مقاماتهم ، وفي سياق الثَّناء عليهم ؛ فقال تعالى في
نوح صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا
شَكُورًا) [سورة الإسراء : 3] وقال في محمد صلى الله عليه وسلم : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ
لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [سورة الفرقان : 1] .
وقال في إبراهيم
، وإسحاق ، ويعقوب - صلَّى الله عليهم وسلَّم - : (وَاذكُرْ
عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ *
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بـِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا
لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ) [سورة ص : 45 ، 47] .
وقال في عيسـى
ابن مريـم صلى الله عليه وسلم : (إِنْ هُوَ إِلاَّ
عَبْدٌ أَنْعَمْنَــا عَلَيْـــهِ وَجَعَلْنَـاهُ مَثَـلاً لِّبَنِـي
إِسْرَائِيــلَ ) [سورة الزخرف : 59] .
والإيمان بالرسل
يتضمن أربعة أمور :
الأول : الإيمان
بأن رسالتهـم حق من الله تعـالى ، فمن كفر برسالة واحد منهم ؛ فقد كفر بالجميع ،
كما قال الله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ
الْمُرْسَلِينَ) [سورة الشعراء : 105] ، فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل ،
مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذَّبوه ، وعلى هذا فالنصارى الذين كذَّبوا محمدًا
صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه ؛ هم مكذِّبون للمسيح ابن مريم ، غير متبعين له
أيضـًا ، لا سيَّما أنه قد بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا معنى لبشارتهم به
إلا أنه رسول إليهم ، ينقذُهم الله به من الضَّلالة ، ويهديهم إلى صراط مستقيم .
الثاني مما
يتضمنه الإيمان بالرسل : الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل : محمد ، وإبراهيم
، وموسى ، وعيسى ، ونوح - عليهم الصلاة والسلام - وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من
الرسل ، وقد ذكرهم الله -تعالى - في موضعين من القرآن في قوله : (وَإِذ أَخَذْنـَا مِنَ النَّبيِّينَ مِيثـَاقَهُمْ وَمِنكَ
وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [سورة
الأحزاب : 7] ، وقوله :
( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بـِهِ نُوحًا
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بـِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [سورة الشورى
: 13] .
وأما من لم نعلم
اسمه منهم ؛ فنؤمن به إجمالاً ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَــا عَلَيْـــكَ وَمِنْهُم
مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْـكَ) [سورة غافر : 78] .
الثالث مما
يتضمنه الإيمان بالرسل : تصديق ما صحَّ عنهم من أخبارهم .
الرابع : العمل
بشريعة من أرسل إلينا منهم ، وهو خاتمهم محمد
صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس ، قال الله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجـِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا
قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمـًا ) [سورة النساء : 65] .
وللإيمان بالرسل
ثمراتٌ جليلة منها :
الأولى : العلم
برحمة الله تعالى ، وعنايته بعباده، حيث أرسل إليهم الرسل ؛ ليهدوهم إلى صراط الله
تعالى ، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله ؛ لأنّ العقل البشري ، لا يستقل بمعرفة ذلك .
الثانية : شكره
تعالى على هذه النعمة الكبرى .
الثالثة :
مَحبَّةُ الرسل - عليهم الصلاة و السلام - وتعظيمهم ، والثَّناء عليهم بما يليق
بهم ؛ لأنهم رسل الله تعالى ، ولأنهم قاموا بعبادته ، وتبليغ رسالته ، والنُّصحِ
لعباده .
وقد كذَّب
المعاندون رسلهم زاعمين أن رسل الله تعالى لا يكونون من البشر ! وقد ذكر الله
تعالى هذا الزعم ، وأبطله بقوله سبحانه : (وَمَا
مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ
أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ
يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَــا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَــاء مَلَكًا
رَّسُولاً) [سورة الإسراء : 94 ، 95] .
فأبطل الله
تعالى هذا الزعم بأنه لابد أن يكون الرسول بشرًا ؛ لأنه مرسـل إلى أهل الأرض ، وهم
بشر ، ولو كان أهل الأرض ملائكة ؛ لنزَّل الله عليهم من السماء ملكـًا رسولاً ؛
ليكون مثلهم ، وهكذا حكى الله تعالى عن المكذبين للرسل أنهم قالوا : (إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن
تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بـِسُلْطَانٍ مُّبينٍ *
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ
اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بسُلْطَانٍ إِلاَّ بإِذنِ
اللّهِ) [سورة إبراهيم : 10 ،
11].
(1) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب صفة الجنة و النار ، رقم
(6197)
(2) رواه البخاري ، كتاب أبواب القبلة ، باب التوجه إلى القبلة
حيث كان ، رقم (392) .