الاثنين، 25 نوفمبر 2024

أدعية الكرب | وليد السعيدان (حفظه الله)

أدعية الكرب

الشيخ: وليد السعيدان (حفظه الله)

  بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

السائل: هذا الدعوة التي أقسم الرسول أنك لو قلتها لاستجاب لك الله، همٌ، غمٌ، زواج، إنجاب، ديون، نجاح، حزن، مرض، مصيبة، أدعي بعده بأي شيءٍ أو قبله أو معها أفدنا جزاك الله خيرًا يا شيخ؟

الشيخ: لا أعلم عين هذه الدعوة، ولكن هناك أدعيةٌ تُسمى أدعية الكرب، كقول الإنسان: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ »، إلى آخر الحديث المعروف، هذا يسمونه دعاء الكرب، وكذلك دَعْوَةُ ذِي النُّونِ الَّتِي دَعَا بِهَا فِي بَطْنِ الْحُوتِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ فِي كُرْبَةٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ»

 وكذلك كثرة الصلاة على النبي أيضًا لحديث أُبي بن كعب أنه كانت له صلوات فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أجعل لك من صلاتي أأجعل لك ربعها؟ أجعل لك نصفها؟ حتى قال: سأجعل لك صلاتي كلها، يعني جميع الوقت المقتطع للدعاء سوف أقلبه من كونه دعاءً إلى كونه صلاةً وسلامًا عليك، فقال « إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ »، أو كما قال.

ومن ذلك أيضًا: أن يُلح الإنسان على الله تعالى بالدعاء وكثرة الانطراح بين يدي الله تعالى، وأن يُكثر من قول: يا حي يا قيوم، وأن يسأل الله تعالى باسمه الأعظم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم، فاسم الله الأعظم الله الحي القيوم، ما دعا بها إنسانٌ إلا أعطاه الله تعالى سؤله، هذا اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سؤل به أعطى.

وكذلك أن يُلح الإنسان على ربه بقول: يا ذا الجلال والإكرام، فأيضًا لها أثرٌ كبيرٌ في استجابة الدعاء، وكذلك أن يتلمس الإنسان الأوقات التي هي أحرى بالإجابة، كأدبار الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وفي ثلث الليل الآخر، وفي ساعة الجماعة، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده، كل هذا من الأمور التي – بإذن الله – يُفرج الله  بها الهوم، ويُنفس بها الكروب، ويكشف به الغمم، ويستجيب بها الدعوات.

وأما دعاء معين غير هذه، فعلك – إن شاء الله – تبحث وتنظر في صحة هذا الدعاء، وإياك من تلك الأدعية المنتشرة على الشبكة العنكبوتية والتي يُرتب عليها ثوابٌ كثيرٌ لا أصل مما لا خطام لها ولا زمام فاحذر منها وعليك بالثابت من ذلك والله يفرج عنا وعنك والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

الاثنين، 18 نوفمبر 2024

ترك الاستطالة على الخلق بحق وبغير حق الشيخ | يوسف بن محمد الغفيص (حفظه الله)

 

ترك الاستطالة على الخلق بحق وبغير حق
الشيخ يوسف بن محمد الغفيص

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال ابن تيمية -رحمه اللَّه- في العقيدة الواسطية: *وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق.*

قال الشيخ يوسف الغفيص -حفظه اللَّه-:  هذه الجملة الأخيرة من كلامه -رحمه اللَّه- هي من جمل الفقه الشريفة: أنهم ينهون عن الاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق.

والاستطالة بغير حق بينة الفساد؛ ولكن الاستطالة بحق قد تعرض لبعض أهل العلم، ولا سيما ممن لم يكن محققًا لمقام العلم، أو بعض العامة القاصدين للخير أو ما إلى ذلك، فيكون عندهم موجب للحق، كإنكار لمنكر قولي أو عملي أو ما إلى ذلك، فيزيدون في هذا الإنكار إلى قدر أن يستطيل أحدهم -أي: يحصل منه زيادة واعتداء- على غيره من المسلمين، بغض النظر عن كون هذا الغير سنيًا أو غير سني، ولكنه يكون أشد إذا كان هذا الغير الذي قصد الرد عليه من أقرانه من أهل السنة، وربما يكون أفضل منه علمًا وعملًا، فهذه حال موجودة.

اللَّه تعالى شرع إنكار المنكر، وشرع الأمر بالمعروف، لكن إنكار المنكر ليس معناه ملكية العقوبة للآخرين، فبعض الناس وهو ينكر المنكر كأنه يعاقب بشكل شخصي هذا المنكر عليه، فيستغل نقطة الضعف الموجودة عنده، ويتصرف معه كأنه يقدم له نوعا من العقاب الشخصي...

وإن كان الخلاف بين أهل السنة أتباع السلف الصالح لا ينبغي أن يؤخذ مساق النزاع الذي فيه فصل وقطع للعلائق.

هذا غلط، وإن كان يقع من كثير من هؤلاء بقصد الانتصار للحق، ويكون الحق أغلى عندنا من الرجال؛ فهذه المقدمات المجملة مقدمات صحيحة، ولكن هذه المقدمات أحيانًا لما فيها من الإجمال توجب كثيرًا من الانحراف عن منهج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أو عن هدي أصحابه.

وهذا التسابق إلى الرد على المخالف من أهل السنة ليس حكيمًا، ويكفي البيان، والردود المعروفة عند السلف لم تكن على أئمة السنة؛ بل كانت الردود المشهورة والجمل المشهورة هي على أهل البدع.

أما من يريد أن يقتدي ببعض الآثار أو ببعض القصص التي عرضت، فهذا ليس مما يُقتدى به، مثل: أن محمد بن يحيى الذهلي يذكر عنه أنه طرد البخاري من مجلسه، أو أن مسلمًا خرج من مجلسه، وهذا من قوته -رحمه اللَّه- في السنة قد يكون الذهلي ليس مصيبًا فيه.

فمثل هذه المسائل لا ينبغي أن يكبر شأنها؛ لأنك إذا امتدحت الذهلي، فقد تذم الطرف الآخر، وهو البخاري، فيكون كلامك مشيرًا إلى أن البخاري مستحق لهذا، فهذه اجتهادات عرضت لها ظروفها الخاصة وليست سننًا عامة.

ومما يتعجب منه أن بعض طلبة العلم وبعض الشباب يستدل بقصة مجملة، ولك أن تقول: هي من متشابه المواقف، وليست من محكم المواقف، بمعنى أنها من المواقف المبنية على المصالح والمفاسد، يختلف الاجتهاد فيها حتى عند العالم نفسه، فلا تُجعل كالمنهج المطرد.

مثلًا: الإمام أحمد استأذن عليه داود بن علي، وكان صاحبًا وصديقًا لـ صالح ابن الإمام أحمد، وكان داود بن علي قد أظهر في أصبهان أن القرآن محدث، وقد تكلم بهذه الكلمة لأنها جاءت في القرآن، وما كانت هذه الكلمة تعجب الإمام أحمد فبلغ الإمام أحمد أن داود بن علي قال هذا في أصبهان، فجاء داود إلى بغداد وتلطف لـ صالح ابن الإمام أحمد أن يدخله على أبيه، فقال صالح لأبيه: إن رجلا من أهل أصبهان يريد أن يدخل عليك.

قال: من هو؟ قال: داود.

قال: داود ابن من؟ فقال: داود بن علي.

قال: لا يدخل، بلغني عنه أنه قال كذا وكذا.

فيأتي بعض الشباب الآن ويقول فيمن هو من كبار الصادقين أو الصالحين أو ممن انضبطت عقائدهم: لا يدخل ولا يخرج، ولا يتكلم، ولا نقبل منه صرفًا ولا عدلًا، وكأنه يطبق هنا موقف الإمام أحمد، وهذا اجتهاد من الإمام أحمد قد يكون صوابا وقد يكون غير صواب، فالإمام أحمد ليس معصومًا.

ثانيًا: إذا كان صوابًا وهو الصحيح: أن هذا كان صوابا من الإمام أحمد من باب ضبط السنة وألفاظ السنة في مسألة القرآن، فهذا كان لائقًا بمثل الإمام أحمد مع من هو مثل داود، وداود يفقه مثل هذا المقام، فإن داود بن علي كان من علماء السنة والجماعة، ما عنده أغلاط في الصفات مثل ابن حزم؛ فـ داود بن علي مختص بمذهب فقهي واجتهاد فقهي، أما عقيدته فهي نفس عقيدة السلف تمامًا، نقل عنه مسألة أن القرآن محدث، وهذه مسألة لفظية مثل ما نقل عن البخاري في مسألة اللفظ، أو عن الذهلي أو عن أبي حاتم مسألة مقابلة لهذا.

والمقصود: أن المقامات التي تعرض من الأكابر ليست سننًا للأصاغر، السنن هي السنن النبوية الشرعية.

والحق فيه من البيان والقوة ما لا يحتاج إلى كثير من الاستطالة معه في مسائل الردود، خاصة الردود بين أهل السنة أنفسهم -بين السلفيين- والردود يجب أن تسخر في الرد على شبه الكفار، وشبه أهل البدع، أما الردود على السلفيين في مسائل من الاجتهاد الممكن في الغالب، فهذا ليس حكيمًا، ولا مشهورًا زمن الأوائل -رحمهم اللَّه-.

[من شرح العقيدة الواسطية]

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

السبت، 16 نوفمبر 2024

كيف لا أتكلم إلا بخير أو أصمت | عايض بن سعد الدوسري

 كيف لا أتكلم إلا بخير أو أصمت
عايض بن سعد الدوسري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  
استشارة: 
كيف السبيل لأن لا أتكلم إلا بخير أو أصمت؟
الجواب:
هذا سؤال عظيم، وإهماله سبب عظيم لشقاء كثير من الناس وتعاستهم. وذلك أن أعظم موارد الحسرة والندامة والحزن هي اللسان، في الدنيا والآخرة، ولهذا فإن الاهتمام بهذا الموضوع من التوفيق البين.
والحل يجب أن يبدأ من معرفة أن كثير الكلام أو قليله يعتبر من العادات الثانية وليس الأولى، أن أنه عادة مكتسبة يكتسبها الإنسان في حياته، فقد يتعود على كثرة الكلام بإهماله ملاحظة المآلات والعواقب، وقد يقل كلامه لحكمته وفطنته ولحظه العواقب والمآلات الوخيمة لكثرة حركة اللسان.
ولهذا، فالحل يكمن في تغيير هذه العادة الثانية، وتغييرها يحتاج إلى أمرين:
٢-الصبر والمحاولة وعدم اليأس.
ولتبدأ، وهو نصيحتي، بالتزام الصمت الطويل، حتى تُعرف به ويعرفك الناس بقليل الكلام وندرته، فإذا طال عليك ذلك، فانظر حينها موجبات الكلام في أقل نطاقاته، فابدأ بأهمها وأولاها شرعًا وعقلًا، واقتصد في الكلام بمقداره إذا كان لا يقوم به غيرك وفيه منفعة لك ومنفعة متعدية إلى غيرك، ولا تتكلم إلا عن علم بما تقوله، فإذا جهلت أو شككت فلا تتكلم، وإذا رجح عندك أن فيه خطأ أو ضرر أو زلل فلا تستعجل في الكلام، فالإسراع إلى السكوت غالبًا خيرٌ وأسلم من الإسراع إلى الكلام.
وسوف تجد نفسك بعد التدرج والمحاولة والصبر والتمرين قد اكتسبت عادة جديدة، وهي الصمت الطويل والكلام القليل فيما فيه حق وخير وفائدة.
فالإنسان ليس إلا وليد عاداته وخبراته التي يكتسبها في هذه الحياة، وهو المسؤول الأول عن هذه العادات وتغييرها للأفضل، بالتدريج والصبر والمحاولة، وقبل كل ذلك التوكل على الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

السبت، 9 نوفمبر 2024

تربية الأبناء علي منهج السلف | أبو أويس المراكشي

تربية الأبناء علي منهج السلف

 أبو أويس المراكشي

 بسم الله الرحمن الرحيم

إن الأبناء هبة ونعمة من الله - سبحانه وتعالى -، يسر الفؤاد برؤيتهم، وتقر العين بمشاهدتهم وتسعد الروح بفرحهم، وكان من دعاء زكريا - عليه السلام - {رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين}. والبنون زينة الحياة الدنيا ولا يعرف عظم هذه النعمة إلا من حُرمها، فتراه ينفق ماله ووقته في سبيل البحث عن علاج لما أصابه

وأنت كأم مسؤولة عن هذه الأمانة التي حملك الله إياها،، إنها أمانة تربية أبنائك، والتي تسألين عنها يوم القيامة، أحفظت أم ضيعت؟ وزينة الذرية لا يكتمل بهاؤها وجمالها إلا بالدين وحسن الخلق، وإلا كانت وبالاً على الوالدين في الدنيا والآخرة.

وقد اشتد حرص السلف على مباشرة هذه المهمة - مهمة تربية الأبناء -، كما ذكر أن الخليفة العباسي المنصور بعث إلى من في السجن من بني أمية يقول لهم: ما أشد ما مر بكم في هذا السجن؟ قالوا: ما فقدنا من تربية أولادنا.

إذاً يلزمني وإياك أمور مما يخص سن فوق سبع سنوات، وذلك في الجانب الإيماني والاجتماعي أما التربوي فكثير، ولكن مجالنا لا يتسع لذكره فأهم تلك الأمور: -

1. احرصي على سلامة عقيدتهم مما يشوبها، فجنبيهم لبس الحروز والتمائم وقراءة الكف وغير ذلك من أمور الكهانة، وعظمي في قلوبهم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وما أظن تفشي شوائب العقيدة تلك كقراءة الكف بين الطالبات في المدارس إلا بسبب جهل الوالدين أو تساهلهم في توجيه أبنائهم وتوعيتهم.

2. احرصي على غرس الإيمان في قلوبهم ورقابة الله عليهم. وتأملي وصايا لقمان لابنه {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله} وذكريهم أن الله يراقبهم ومطلع على أعمالهم، فعن ثابت بن قيس - رضي الله عنه - قال: أتى علي رسول الله وأنا ألعب مع الغلمان فسلم علينا، فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حبسك؟ فقلت: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجة، فقالت: وما حاجته؟ قلت: إنها سر. قالت: لا تخبرن بسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحداً. قال أنس: والله لو حدثت به أحداً لحدثتك به يا ثابت [رواه مسلم]. فانظري يا رعاك الله إليها لم تعاقبه حين أخفى عنها كما يفعل بعضهن، بل إن بعضهن تكثر السؤال عليه حول خاصة البيوت التي يدخلها وما يحدث عندهم، فتغرس في نفسه الفضول وإفشاء الأسرار وهي لا تعلم.

3. ذكريهم دوماً بأنه عزيز ذو انتقام لمن عصاه، وأنه غفور رحيم لمن تاب وأناب.. وذكريهم بالموت وشدته، والقبر وظلمته، والقيامة وأهوالها، حثيهم على الطاعات وخصوصاً الصلاة، وراقبيهم فيها وأيقظيهم من النوم لها، وعظمي شأنها في قلوبهم، واحذري من الرحمة التي تحول دون إيقاظهم والتي توردك وإياهم النار والعياذ بالله. وهنيئاً لتلك الأم الكبيرة في السن التي تمسك بيد ولدها ذي التسع سنوات خوفاً عليه وتذهب به إلى المسجد لأداء صلاة الفجر مع الجماعة، وتجلس عند باب المسجد إلى أن تقضى الصلاة ثم تعود به معها. عوديهم الصيام في صغرهم ليسهل عليهم إذا بلغوا، وأشعريهم بمراقبة الله لهم، فالصيام أعظم مُربٍّ, لهم لاستشعار مراقبة الله.

4. راقبي أبناءك فلا تدعيهم يتساهلون بالمنكرات وأنت تعلمين، فلا تسكتي وأنت تعلمين أن ابنتك تسمع الغناء وتضع المناكير وتتوضأ دون أن تزيله، أو أنها تنتف شعر حاجبها أو تقص شعرها القصات المحرمة، أو تخل بشيء من الحجاب الشرعي أو تتساهل فيه فتزين عباءتها أو تضعها على كتفها، أو تتعطر عند خروجها، أو تظهر شيئاً من بدنها، أو تذهب إلى السوق أو الأماكن العامة بمفردها، أو تركب مع السائق بمفردها، أو تتساهل بلبس العاري والقصير والمفتوح ولو أمام النساء، أو تقتني المجلات الهدامة، وحذاري أن تجعلي الهاتف في غرفتها الخاصة وراقبيها عن بعد، وإياك والثقة المفرطة ومن الوساوس التي ربما تؤثر على البنت فتفقدها الثقة بنفسها.

ثم احذري أيتها الأم الفاضلة من احتجاجك بعدم قدرتك عليها أو أنك كارهة لهذا المنكر والكره كافٍ,.. بل كوني قوية في الحق لا ترضين بباطل، لينة هشة فيما عدا ذلك. وتذكري دوماً قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (ومن كانت له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار).

قال سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله -: والإحسان إلى البنات يكون بتربيتهن التربية الإسلامية وتعليمهن وتنشئتهن على الحق والحرص على عفتهن. وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وهكذا تربية الأخوات والأولاد الذكور، إلى غير ذلك من وجوه الإحسان حتى يتربى الجميع على طاعة الله ورسوله والبعد عما حرم الله والقيام بحق الله - سبحانه وتعالى -، وبذلك يعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط. بل المراد ما هو أكبر من ذلك من الإحسان إليهم في عمل الدين والدنيا. وقال - رحمه الله -: إن الحديث عام للأب والأم. (من مجموع فتاوى ومقالات متعددة 4/377).

ولله در تلك المرأة العربية التي لم ترض الاختلاط لابنتها مع الرجال الأجانب في المدرسة من طلاب ومعلمين، بل إن عموم طابع الاختلاط في بلدها لم يثنِها عن موقفها حتى فصلتها عن المدرسة خشية إلفتها الاختلاط، وبدأت تعطيها العلم الشرعي في البيت فنرجو لها أن تكون قد أحسنت إلى ابنتها فكانت لها ستراً من النار.

5. حذري أبناءك من قرناء السوء ووضحي لهم مخاطر صحبتهم، ولقد وجه سؤال إلى نزلاء دار الملاحظة في إحدى مدن المملكة حول السبب الذي ساقهم إلى هذا المكان، فكانت إجابة 75% منهم أن السبب والدافع وراء ذلك قرناء السوء. فاحفظيهم منهم ومن الشارع ومخاطره، واجعليهم يستغلون أوقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع كحفظ القرآن في المسجد والالتحاق بالمراكز الصيفية في الإجازة.. ثم إياك وإياك من إدخال اللصوص إلى بيتك نعم لصوص العقيدة والفضيلة تلك الآلات المحرمة وخاصة (الدش) ولو كان قصدك إسعادهم.

يقول أحد الدعاة: إن الأب الذي أهدى الدش لأبنائه إنما هو في الحقيقة أهدى أبناءه للدش.

قال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله -: من ترك شيئاً لله تهواه نفسه عوضه الله خيراً منه في الدنيا والآخرة، فمن ترك المعاصي لله ونفسه تشتهيها عوضه الله إيماناً في قلبه وسعة وانشراحاً وبركة في رزقه وصحة في بدنه، مع ما له من ثواب الله الذي لا يقدر على وصفه. أ. هـ من تفسيره.

ثم احذري - أختي القارئة - من الدعاء عليهم ولو كنت غاضبة، حتى لا توافقي ساعة استجابة فيستجاب لك، بل أكثري من الدعاء لهم.. قال القرطبي: لا شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله - عز وجل -.

نسأل الله - عز وجل - أن يصلح نياتنا وذرياتنا وأن يجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة، وأن يعيننا على تحمل هذه الأمانة..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الأحد، 3 نوفمبر 2024

مسكن النبي ﷺ | صالح بن أحمد الشامي

 


مسكن النبي

صالح بن أحمد الشامي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الحاجة إلى المسكن:

يعد المسكن من الضروريات التي تأتي بعد الطعام والشراب واللباس.

قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾[1].

فالمسكن ضرورة في حالتي الاستقرار والترحل، وقد هيأ الله للإنسان في حال تنقله بيوتًا يسهل إقامتها كما يسهل حملها، وهذا من منن الله تعالى على عباده.

وأولى مهمات البيت وفوائده: ما يؤمنه من «السكن» الذي ذكرته الآية الكريمة.

فالسكن يعني الاستقرار والهدوء النفسي، ومكان الراحة للجسم، حيث يبتعد الإنسان عن أعين الناس، ويتحلل من الشكليات القائمة بينهم، ويخلو لنفسه أو يكون مع أسرته، بعيدًا عن القيود.

والبيت أيضًا هو المكان الذي يتقي فيه الإنسان الحر والبرد فيجد فيه المأوى الذي يكنه ويحفظه.

ولما لهذه المعاني من مكانة، كان المسكن واحدًا من الضروريات التي رعاها الإسلام وجعل لها حرمتها وحصانتها.

بيت النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة:

لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده بنى غرفتين بجانبه من مؤخرته من قبل المشرق وكانت القبلة يومئذٍ إلى بيت المقدس.

وبعد أن تحولت القبلة إلى الكعبة أصبحت هاتان الغرفتان حذاء جدار القبلة إلى يسار المصلي عندما يتوجه إلى القبلة.

وكانت واحدة منهما لزوجته سودة بنت زمعة، والثانية أعدت لعائشة وكان قد عقد عليها.

أما بقية الحجرات فلم تبنَ إلا عند الحاجة إليها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحدث زواجًا بنى غرفة.

قال ابن الجوزي: *قال محمد بن عمر: كانت لحارثة بن النعمان منازل قريبة من المسجد وحوله، فكلما أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلًا تحوَّل له حارثة عن منزله، حتى صارت منازله كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه [2].*

وكانت هذه البيوت كلها في شرقي المسجد على يسار المصلي إذا اتجه إلى الكعبة، وكان بعضها في قبلة المسجد يفصلها عن جداره طريق عرضه خمسة أذرع.

أما بناؤها فكان من اللبن، وسقفها من الجريد. وكانت تسعة أبيات.

وكان لأربعة منها حجر من جريد، والمقصود بالحجر: الفسحة تكون أمام الغرفة محجرة أي محاطة بشيء يمنع دخول الناس إليها. وكان السور لهذه الغرف من الجريد المقوى بالطين.

ونجد أن الروايات تذكر الأبواب والستور لهذه الغرف والحجرات.

فقد روي أن باب غرفة عائشة كان بمصراع واحد من خشب العرعر أو الساج، وفي آخر نظرة نظرها النبي لأصحابه، أنه رفع الستر، كما في الصحيح. والذي يبدو لي أن البيوت كان لها أبواب من خشب، وأما الحجرات التي أمام الغرف، فكانت أبوابها الستور. وأما هذه الستور فكانت من مسوح الشعر، وقد ذرع عمر بن أبي أنيس واحدًا منها فكان ثلاثة أذرع في ذراع.

وأما مساحة هذه البيوت فكانت غير واسعة، وقد ورد في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد السجود في صلاة الليل غمز عائشة فكفت رجليها ريثما يسجد فإذا قام بسطتهما. وهذه الصورة يمكن أن توضح لنا ما كانت عليه تلك البيوت. وأما ارتفاع السقف فقد قال: الحسن البصري في بيانه كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان بن عفان، فأتناول سقفها بيدي.

تلك هي بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي كان ينزل فيها الوحي، ويعيش فيها خير خلق الله صلى الله عليه وسلم.

أثاث بيوت النبي صلى الله عليه وسلم:

بعد أن وصفنا هذه البيوت، يمكننا أن نقدر نوعية الأثاث والفرش الذي كان فيها.

قالت عائشة رضي الله عنها: «كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي ينام عليه من أدم، وحشوه ليف، وكانت وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي يتكئ عليها من أدم حشوها ليف»[3]. وفي قصة إسلام عدي بن حاتم قال: ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بي بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفًا، فقذفها إليَّ فقال: «اجلس على هذه» قال: قلت بل أنت فاجلس عليها، فقال: «بل أنت» فجلست عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض[4].

ويصف لنا عمر بن الخطاب الغرفة التي اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم فيها نساءه فيقول: وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت. فقال: «ما يبكيك؟» فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله! فقال: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة [5]."

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم خمرة يصلي عليها[6].

استكمال ملامح الصورة:

تلك بعض ملامح الصورة لمعيشته صلى الله عليه وسلم يستطيع القارئ أن يستكمل ما بقي منها. حجرات وبيوت في غاية البساطة من حيث البناء، قليلة المساحة، قليلة الارتفاع، فرش ما يكاد يفي بالحاجات الضرورية.

طعام يسد الرمق تارة.. وتارة يكون الجوع.. واللباس كذلك..

وهكذا بقيت الوسائل في حياته صلى الله عليه وسلم في وضعها الصحيح، ولم ترتق لتصبح غايات، وهو القائل: "إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها [7]."

ولو أراد صلى الله عليه وسلم لكان له من الدنيا ما شاء، وقد رأينا من كرمه أنه يعطي عطاء من لا يخشى فاقة، وأخرج البيهقي من حديث عائشة قال: دخلت عليَّ امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة مثنية، فبعثت إليَّ بفراش حشوه الصوف فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذا يا عائشة؟" قلت: يا رسول الله، فلانة الأنصارية دخلت فرأت فراشك، فبعثت إليَّ بهذا، فقال: "ردِّيه يا عائشة، فو الله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة [8]".

بين التأسي والعزاء:

وبعد: فهل يستطيع الناس أن يكونوا على الأثر ويسلكوا هذا الطريق؟ ما من شك أن هذا هو المسلك القمة، الذي ينبغي أن يتطلع إليه كل المسلمين، والمطلوب منهم الاقتراب منه قدر المستطاع.. وما من شك أن كثيرًا من فقهاء الأمة وعلمائها. وهم الخلاصة. قد ساروا في هذا الطريق تأسيا ًبه صلى الله عليه وسلم.

[1] سورة النحل، الآية (80).

[2] ما نشك في أن النبي صلى الله عليه وسلم كافأ حارثة بن النعمان رضي الله عنه، على ذلك إن فعله هدية، فقد كان يكافئ على الهدية بأضعافها، أو أنه كان يعطيه ثمنها، ويشكر له فعله حيث يتيح له أن تكون بيوت أزواجه قريبًا من المسجد.

وقد رأينا كيف أنه صلى الله عليه وسلم لم يقبل أرض المسجد هبة وإنما دفع ثمنها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله به يوم القيامة"[الترمذي 3661] وهذا يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم، كافأ النعمان رضي الله عنه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

[3] متفق عليه (خ 6456، م 2082) واللفظ لمسلم.

[4] سيرة ابن هشام (2/580) وهو عند الترمذي (2953) ولكن عنده أن الرسول صلى الله عليه وسلم، جلس على الوسادة.

[5] متفق عليه (خ 4913، م 1479).

[6] أخرجه البخاري (381). والخمرة: مصلى صغير يعمل من سعف النخل.

[7] أخرجه الترمذي برقم (2377)، وكذا أحمد وأبو داود الطيالسي (انظر فتح الباري 11/292).

[8] المواهب اللدنية للقسطلاني (2/471).

 

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني PKK | تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني pkk   تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي. "لماذا تعتبر تركيا محاربة تنظيم حزب العمال الكرد...