الجمعة، 31 ديسمبر 2021

شهوة المال | عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف


  شهوة المال 

عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

استولى على أفئدة كثير من الناس الولع بالمال، فأُشربوا حبه والتعلق به، فاستعبدهم الدرهم والدينار، وصار مقصودهم وجلّ حديثهم واهتمامهم، فإن أحبوا فلا يحبون إلا لأجل المال، وإن أبغضوا فلا يبغضون إلا لأجل المال: إن أُعطوا رضوا، وإن لم يُعطَوْا إذا هم يسخطون.

ولقد ذمّ الله تعالى الدنيا في كتابه في غير موضع، كقوله تعالى:{...وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[20]}[سورة الحديد]. وأما الأحاديث في ذم الدنيا وفضل الزهد، فكثيرة جدًا؛ منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ: [إِنِّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا]رواه البخاري ومسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: [قَالَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ]رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ] رواه الترمذي وأحمد.

وعن الحسن البصري قال: [أهينوا الدنيا فو الله لأهنأ ما تكون إذا أهنتها]. وكان يحلف بالله ما أعز أحدٌ الدرهمَ إلا أذله الله.

ولابن القيم رحمه الله كلام نفيس في الترغيب بالزهد في الدنيا، والإقبال على الآخرة، نورد منه ما ذكره في 'عدة الصابرين': [جميع الأمم المكذبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم وهلاكهم حب الدنيا، فإن الرسل لما نهوهم عن الشرك والمعاصي التي كانوا يكسبون بها الدنيا حملهم حبها على مخالفتهم وتكذيبهم؛ فكل خطيئة في العالم أصلها حب الدنيا... فحب الدنيا والرياسة هو الذي عمر النار بأهلها، والزهد في الدنيا والرياسة هو الذي عمر الجنة بأهلها، والسكر بحب الدنيا أعظم من السكر بشرب الخمر بكثير، وصاحب هذا السكر لا يفيق منه إلا في ظلمة اللحد... والدنيا تسحر العقول أعظم سحر.

قال مالك بن دينار:'اتقوا السحّارة، اتقوا السحّارة؛ فإنها تسحر قلوب العلماء'. وأقل ما في حبها أنه يلهي عن حب الله وذكره، ومن ألهاه ماله عن ذكر الله تعالى فهو من الخاسرين، وإذا لها القلب عن ذكر الله سكنه الشيطان وصرفه حيث أراد.

 من أوجه الحرص على المال:

والحرص على المال يكون على وجهين؛ كما قرر الحافظ ابن رجب بقوله: [أحدهما: شدة محبة المال مع طلبه من وجوه مباحة، والمبالغة في طلبه والجد في تحصيله واكتسابه من وجوهه مع الجهد والمشقة...ولو لم يكن في الحرص على المال إلا تضييع العمر الشريف فيما لا قيمة له، وقد يُمكّن صاحبه فيه اكتساب الدرجات العلى، والنعيم المقيم، فضيعه بالحرص في طلب رزق مضمون مقسوم لا يأتي منه إلا ما قُدّر وقُسم؛ ثم لا ينتفع به بل يتركه لغيره ويرتحل عنه، فيبقى حسابه عليه ونفعه لغيره، فيجمع لمن لا يحمده، ويقدم على من لا يعذره لكفاه بذلك ذمًا للحرص؛ فالحريص يضيع زمانه الشريف، ويخاطر بنفسه في الأسفار وركوب الأخطار لجمع مال ينتفع به غيره.[

النوع الثاني من الحرص على المال: أن يزيد على ما سبق ذكره في النوع الأول، حتى يطلب المال من الوجوه المحرمة، ويمنع الحقوق الواجبة، فهذا من الشح المذموم، قال الله تعالى:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[16]}[سورة التغابن].

وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ]

وإنما يصير حب المال مذمومًا إذا كان سببًا في ارتكاب المعاصي، أو ترك الواجبات، يقول شيخ الإسلام في هذا الصدد: [حب المال والشرف يفسد الدين، والذي يعاقب عليه الشخص هو الحب الذي يدعو إلى المعاصي مثل الظلم والكذب والفواحش، ولا ريب أن فرط الحرص على المال والرياسة يوجب ذلك، أما مجرد حب القلب إذا كان الإنسان يفعل ما أمر الله به ويترك ما نهى عنه، ويخاف مقام ربه، وينهى النفس عن الهوى؛ فإن الله تعالى لا يعاقب على مثل هذا إذا لم يكن معه عمل.

وجمع المال إذا قام فيه بالواجبات ولم يكتسبه من الحرام لا يعاقب عليه، لكن إخراج الفضل والاقتصار على الكفاية أفضل وأسلم، وأفرغ للقلب وأجمع للهم، وأنفع للدنيا والآخرة[.

وينبغي التوسط إزاء المال بين الشره والانهماك عليه، وبين تركه والإعراض عنه: كما في حديث أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: [لَا وَاللَّهِ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا] فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: [كَيْفَ قُلْتَ] قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ أَوَ خَيْرٌ هُوَ إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ الشَّمْسَ ثَلَطَتْ أَوْ بَالَتْ ثُمَّ اجْتَرَّتْ فَعَادَتْ فَأَكَلَتْ فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ]رواه البخاري ومسلم.

وقد شرح ابن القيم هذا الحديث وبيّن المسلك الوسط تجاه المال فقال: قوله: [إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ] هذا من أحسن التمثيل المتضمن للتحذير من الدنيا والانهماك عليها والمسرة فيها، وذلك أن الماشية يروقها نبت الربيع فتأكل منه بأعينها فربما هلكت حبطًا-والحبط انتفاخ بطن الدابة من الامتلاء أو من المرض- ، فكذلك الشَرِه في المال يقتله شرهه وحرصه، فإن لم يقتله قارب أن يقتله، وهو قوله: [أَوْ يُلِمُّ] وكثير من أرباب الأموال إنما قتلهم أموالهم؛ فإنهم شرهوا في جمعها، واحتاج إليها غيرهم، فلم يصلوا إليها إلا بقتلهم، أو ما يقاربه من إذلالهم وقهرهم.

وقوله: [ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ] هذا تمثيل لمن أخذ من الدنيا حاجته، مثّله بالشاة الآكلة من الخضر بقدر حاجتها، أكلت حتى امتلأت خاصرتاها... وفي قوله: [اسْتَقْبَلَتْ الشَّمْسَ ثَلَطَتْ أَوْ بَالَتْ] ثلاث فوائد: أحدها: أنها لما أخذت حاجتها من المرعى تركته وبركت مستقبلة الشمس لتستمرئ بذلك ما أكلته. الثانية: أنها أعرضت عما يضرها من الشره في المرعى، وأقبلت على ما ينفعها من استقبال الشمس التي يحصل لها بحرارتها إنضاح ما أكلته وإخراجه.

الثالثة: أنها استفرغت بالبول والثلط ما جمعته من المرعى في بطنها، فاستراحت بإخراجه، ولو بقي فيها لقتلها، فكذلك جامع المال مصلحته أن يفعل به كما فعلت هذه الشاة... وفي هذا الحديث إشارة إلى الاعتدال والتوسط بين الشره في المرعى القاتل بكثرته، وبين الإعراض عنه وتركه بالكلية فتهلك جوعًا. وتضمّن الخبر أيضًا إرشاد المكثر من المال إلى ما يحفظ عليه قوته وصحته في بدنه وقلبه وهو الإخراج منه وإنفاقه ولا يحبسه فيضره حبسه][عدة الصابرين، ص 198، 199[

وإذا تقررت هذه الوسطية تجاه المال فإن على العلماء والدعاة خصوصًا أن يُعْنَوْا بتحقيق الكفاف والاستغناء عن الناس كما يُعْنَوْا بالزهد والتقلل من الدنيا؛ فإن استغناء العلماء عن الناس عمومًا والحكام خصوصًا من أعظم الأسباب في حفظ مكانة العلماء وعظم شأنهم، يقول سفيان الثوري رحمه الله: [لأن أخلّف عشرة آلاف درهم أحاسب عليها أحب إليّ من أن أحتاج إلى الناس... ولولا هذه الدراهم لتمندل بنا هؤلاء الملوك].

ويقول ابن الجوزي- حاثًا على الاستغناء عن الناس-: [ليس في الدنيا أنفع للعلماء من جمع المال للاستغناء عن الناس، فإنه إذا ضم إلى العلم حيز الكمال، وإن جمهور العلماء شغلهم العلم عن الكسب، فاحتاجوا إلى ما لا بد منه، وقلّ الصبر فدخلوا مداخل شانتهم وإن تأوّلوا فيها...ولقد رأينا جماعة من المتصوفة والعلماء يَغْشَون الولاة لأجل نيل ما في أيديهم؛ فمنهم من يداهن ويرائي، ومنهم من يمدح بما لا يجوز، ومنهم من يسكت عن منكرات إلى غير ذلك من المداهنات، وسببها الفقر، فعلمنا أن كمال العز وبُعد الرياء إنما يكون في البعد عن العمال الظّلَمَة، ولم نرَ من صح له هذا إلا في أحد رجلين:

أما من كان له مال كسعيد بن المسيب كان يتجر في الزيت وغيره، وسفيان الثوري كانت له بضائع، وابن المبارك. وأما من كان شديد الصبر قنوعًا بما رزق وإن لم يكفه كبشر الحافي وأحمد بن حنبل؛ ومتى لم يجد الإنسان كصبر هذين، ولا كمال أولئك، فالظاهر تقلبه في المحن والآفات، وربما تلف دينه. فعليك يا طالب العلم بالاجتهاد في جمع المال للغنى عن الناس؛ فإنه يجمع لك دينك، فما رأينا في الأغلب منافقًا في التدين والتزهد والتخشع، ولا آفة طرأت على عالم إلا بحبّ الدنيا، وغالب ذلك الفقر، فإن كان من له ما يكفيه ثم يطلب بتلك المخالطة الزيادة فذلك معدود في أهل الشّرَهِ، خارج عن حيّز العلماء[.

والمقصود: أن على العبد أن يقنع بالكفاف من هذا المال، مما يحتاجه في مطعمه ومشربه ومسكنه وملبسه ونحو ذلك، وأن يطلب ذلك من الله تعالى وحده ويرغب إليه فيه، وأن لا يكون سائلًا للمال بلسانه إلا لضرورة، أو مستشرفًا إليه بقلبه..وأما ما لا يحتاج إليه العبد فلا ينبغي له الاشتغال به؛ لأن ذلك يؤول إلى تعلق القلب بالمال واستعباده له، كما يفوت عمره في تحصيل رزق مقسوم، وقد يحمله الحرص على المال على اكتسابه بالحرام ومنع الحقوق الواجبة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

نسب النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه وأمه

 

نسب النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه وأمه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

هو سيدنا ونبينا محمد سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَيِّ بن حكيم بن مُرّة بن كعب بن لُؤيِّ بن غالب بن فِهر بن مالك بن النَّضر بن كِنانة بن خُزَيمَة بن مُدرِكَة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدِّ بن عَدنان.

 هذا هو النسب المتفق على صحته، كما اتفقوا على أن النسب المحمدي الشريف يتصل بسيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم -عليهما الصلاة والسلام- ولكن سلسلة النسب بين عدنان وسيدنا إسماعيل -عليه السلام- لم يثبت علمها من طريق صحيح.

 فالجد الأول للنبي -صلى الله عليه وسلم- هو عبد المطلب بن هاشم وكان شيخاً معظماً في قريش يحترمونه ويرجعون إليه في مهمات أمورهم.

 وأمه -صلى الله عليه وسلم- هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم ابن مرة الذي هو الجد الخامس للنبي -صلى الله عليه وسلم- من جهة أبيه.

 مما سبق تعلم أن أباه وأمه -صلى الله عليه وسلم- من أصل واحد، وأنهما يجتمعان في حكيم بن مرة (وكان يسمى كلابا)، وأن عبد مناف بن زهرة الذي هو الجد الثاني للنبي -صلى الله عليه وسلم- من جهة أمه غير عبد مناف الجد الثالث للنبي -صلى الله عليه وسلم- من جهة أبيه.

ومن جدودهما فهر الذي هو (قريش)، وهو عاشر أجداد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإليه تنسب أمة قريش كلها، وقد تفرعت منه اثنتا عشرة قبيلة سميت باسمه، منهم بنو عبد مناف الذي هو الجد الثالث للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو -صلى الله عليه وسلم- من صميم قريش المشهود لهم بالشرف ورفعة الشأن بين العرب.

وأجداده من جهة أبيه وأمه كلهم سادة كرام، وكل اجتماع بين أجداده وزوجاتهم كان شرعياً بحسب الأصول العربية، فلم يكن في نسبه الشريف شيء من سفاح الجاهلية فهو نسب شريف طاهر من آباء طاهرين وأمهات طاهرات.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

الاثنين، 20 ديسمبر 2021

أصون عرضي وأحفظ مروءتي | إسلام ويب

 

  أصون عرضي وأحفظ مروءتي

إسلام ويب

أعوذ بالله... أصون عرضي وأحفظ مروءتي.

هكذا أجاب سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما سئل: هل شربت الخمر في الجاهلية؟

قال: أعوذ بالله! فقيل له: ولِمَ؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي.

فكأنه يقول: شرب الخمر يعرض الإنسان للطعن في عرضه، وإلى ذهاب مروءته فإن الخمر إنما سميت خمرا لأنها تخمر العقل أي تغطيه، فيصير صاحبه بمنزلة المجنون، يهذي ويؤذي، ويهرف بما لا يعرف، ويتصرف بلا وعي ولا إدراك؛ فيصير مضحكة للصبيان، وملهاة للشباب، ومذموما ناقصا عند العقلاء.

قال ابن أبي الدنيا: "رأيت سكرانا في سكك بغداد يبول ويمسح بثوبه، ويقول: اللهم اجعلني من التوابين ومن المتطهرين".

أم الخبائث ورأس الفواحش

وقد أخرج النسائي وابن حبان في صحيحه، أن عثمان رضي الله عنه قام خطيبا فقال: "أيها الناس، اتقوا الخمر؛ فإنها أمُّ الخبائث". أي أصلها وسببها والمؤدية إليها.

وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وابن ماجة بسند حسن عن سيدنا معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشْرِكْ باللهِ شيئًا وإنْ قُتِلْتَ وحُرِّقْتَ، ولا تَعُقَّنَّ والِدَيْكَ، وإنْ أمرَاكَ أنْ تَخْرُجَ من أهلِكَ ومالِكَ، ولا تَتْرُكَنَّ صَلاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فإنَّ مَنْ تركَ صَلاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فقد بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ، ولا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا، فإنَّهُ رَأْسُ كلِّ فَاحِشَةٍ... الحديث"(حسنه ابن حجر والألباني (

لا أريد هنا أن أسرد الأدلة على تحريم الخمر من القرآن والسنة والإجماع والقياس؛ فإن تحريمها معروف مشهور، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، فكل مسلم يعلم أن الله تعالى قد حرم الخمر.. وإنما أريد أن أخاطب كل عقل سليم صحيح إن كان يشرب الخمر حتى يدعها، وإن كان لا يشربها حتى يعلم نعمة الله عليه فيشكرها.

وأنا هنا أسرد بعض القصص والمواقف الحقيقية لما تفعله الخمر بشاربيها، ففيها كفاية لمن أراد أن يعلم حكمة الله من تحريمها، فإن الله ما حرم شيئا إلا لخبثه، وسوء أثره، وقبيح عواقبه، وهذه كلها وأكثر تجتمع في الخمر.. فإنها تذهب عقل صاحبها، وإذا فقد الإنسانُ العقل أصبح كالبهيمة بل أضلّ، حيث لا يميز بين الحسن والقبيح، والخير والشر، والنافع والضار، ولذك يعمل السكرانُ عملَ المجانين فيَهذي ويؤذي، ويعمل القبائح دون خوف أو حياء، فربما قتل أو زنى أو طلق زوجته، أو ضرب أباه أو أمه، وربما دنس عرضا أو باع ثمينا ببخس،.. فإذا أفاق ندم حيث لا ينفع الندم.

سدانة الكعبة بزق خمر

سدانة الكعبة هو تولي شؤونها والقيام بأمرها، وكان أشرف شيء عند العرب، وكان قد آل إلى قبيلة خزاعة، وكان أمر السدانة بيد رجل من سادتهم يدعى أبا غبشان، واسمه سليم بن عمرو بن لؤي بن ملكان بن أقصى بن حارثة بن عمرو بن عامر. وبسبب شرب الخمر باع كل هذا الشرف مقابل زق خمر. (والزق: وعاءٌ من جلدٍ، يستخدم للشراب وغيره)(المعجم الوسيط ولسان العرب).. فكيف كان ذلك؟

ذكر الزبير بن بكار في كتاب "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام:65":

أنه في أحد الأيام كان قد اجتمع أبو غبشان مع قصي بن كلاب في الطائف للسكر، فلما سكِرَ أبو غبشان اشترى منهُ قصي سِدانَة الكعبة بوعاءٍ من جلدٍ يُستعمل في الشرب وغيره من الأمور. ثم قام قصي بأخذ مفاتيحه وذهب إلى مكة، وقال: يا معشر قريش، هذه مفاتيح أبيكم إسماعيل رَدَّها الله عليكم من غير غدرٍ ولا ظلم.

وعندما أفاق أبو غبشان ندم ندمًا شديدًا، وذهبت خزاعة إلى قصي، فطالبوه فغلبهم. (أي طالبوه أن يرد عليهم السدانة فأبى)، وانتقل شرف السدانة إلى قصي وقريش. وباعت خزاعة شرف السدانة بزق خمر.

فكان يضرب المثل في الحماقة والندم وخسارة الصفقة بندم أبي غبشان وحماقته وخسارة صفقته، فيقال: "أندم من أبي غبشان"، و"أخسر من أبي غبشان"، و"أحمق من أبي غبشان". كما قيل: "أخسر من صفقة أبي غبشان". وقال بعض الشعراء:

باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت .. .. بزق خمر فبئست صفقة البادي

باعت سدانتها بالخمر وانقرضت .. .. عن المقام وظل البيت والنادي

شرب الخمر فزنى وقتل:

روى النسائي بسند صحيح عن عُثْمَانَ رصي الله عنه، قالَ: «اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ، قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا، فَسَقَتْهُ كَأْسًا، قَالَ: زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّه وَاللهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ، وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ» (حسنه الألباني موقوفا).

سكر فزنا بأمه وانتحر

وقريب من هذا في زماننا، ما ذكره الشيخ ابن عثيمين في شرحه على بلوغ المرام 5368 قصة غريبة قرأها بنفسه.. فقال:

حَيْثُ نَشَرْتَ إِحْدَى الْجَرَائِدِ اللُّبْنَانِيَّةِ خَبَرَاً عَنْ شَابٍّ تَعَاطَى الْخَمْرَ، وَدَخَلَ عَلَى أُمِّهِ وَهُوَ سَكْرَانٌ، فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا لِيَفْعَلَ بِهَا الْفَاحِشَةَ فَامْتَنَعَتْ، فَهَدَّدَهَا إِنْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، فَتَرَدَّدَتْ ثُمَّ لَمَّا رَأَتْهُ مُصِرَّاً رَضَخَتْ لِمَصِيرِهَا الأَلِيمِ، وَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ هَذَا الْخَاسِرُ كَأَنَّهُ أَحَسَّ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئَاً قَبِيحَاً وَهُوَ سَكْرَانُ، فَسَأَلَ أُمَّهُ وَحَلَّفَهَا بِاللهِ وَأَصَرَّ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَهُ مَاذَا فَعَلَ؟

فَلَمَّا أَخْبَرَتْهُ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى مَحَطَّةِ وَقَودٍ قَرِيبَةٍ، وَاشْتَرَى جَالُونَ بَنْزِينٍ، وَدَخَلَ الْحَمَّامَ وَأَغْلَقَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جِسْمِهِ الْبَنْزِينَ، وَأَحْرَقَ نَفْسَهُ حَسْرَةً وَأَلَمَاً عَلَى مَا فَعَلَ بِأُمِّهِ!.

فتأملوا: ثَلاثُةُ ذُنُوبٍ كَبَائِرَ مُتَوَالِيَةٍ، شَرِبَ الخَمْرَ ثُمَّ زَنَى بِأُمِّهِ ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَه! فَهَكَذَا تَفْعَلُ الْمُسْكِرَاتُ بِصَاحِبِهَا، وَهَكَذَا هِيَ مَجَالِسُ الخَمْرِ، وَهَذِهِ نَتِيجَتُهَا، وَهَكَذَا هِيَ ثِمَارُ الانْحِرَافِ عَنْ مَنْهَجِ اللهِ!.

فلا غرابة بعد كل ذلك أن الله حرمها، لعنها وَلَعَنَ كُلَّ ما يتعلق بها:

فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَ إِلَيْه)[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

خوايتم السوء

ومن عجيب ما يذكر في خواتيم شاربي الخمور، ما ذكره ابن القيم فقال:احتضر رجل ممن كان يجالس شراب الخمور.. فلما حضره نزعُ روحه.. أقبل عليه رجل ممن حوله.. وقال: يا فلان.. قل لا إله إلا الله.. فتغير وجهه.. وتلبد لونه.. وثقل لسانه.. فردد عليه صاحبه: يا فلان.. قل لا إله إلا الله.. فالتفت إليه وصاح: لا.. اشرب أنت ثمّ اسقني.. اشرب أنت ثمّ اسقني.. وما زال يردّدها.. حتى فاضت روحه إلى باريها..

نعوذ بالله.. {وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل}.

وذكر في أنموذج الزمان:

أن محمد بن المغيث كان رجلاً فاسقاً.. مفتوناً بشرب الخمر.. ولا يكاد يخرج من بيت الخمار.. فلما مرض.. ونزل به الموت وخارت قواه.. سأله رجل ممن حوله: هل بقي في جسمك قوة؟ هل تستطيع المشي؟ فقال: نعم.. لو شئت مشيت من هنا إلى بيت الخمار!

فقال صاحبه: أعوذ بالله! أفلا قلت أمشي إلى المسجد؟

فبكى.. وقال: غلب ذلك عليَّ.. لكل امرئ من دهره ما تعودا.. وما جرت عادتي بالمشي إلى المسجد.

وقال ابن أبي رواد:

حضرت رجلاً عند الموت.. فجعل من حوله يلقّنونه لا إله إلا الله.. فحيل بينه وبينها.. وثقلت عليه.. فجعلوا يعيدون عليه ويكررون، ويذكرونه بالله.. وهو في كرب شديد..فلما ضاق عليه النفس.. صاح بهم وقال: هو كافر بلا إله إلاّ الله.. ثم شهق ومات.

قال ابن أبي رواد: فلما دفناه سألت أهله عن حاله، فإذا هو مدمن للخمر.

نعوذ بالله من سوء الخاتمة .. بل نعوذ بالله من أم الخبائث.. ورأس الفواحش.

 

السبت، 18 ديسمبر 2021

جدول المسلم اليومي | حماد بن محمد العروان






جدول المسلم اليومي

حماد بن محمد العروان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال، قال رسول الله ﷺ: «نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ». رواه البخاري.

اِعلم -رحمك الله- أن الوقت أثمن من الذهب والفضة، والوقت إذا ذهب لا يمكن أن يعود؛ لذا فينبغي للمسلم أن يعتني بوقته، ويحافظ عليه، ويجعله فيما ينفعه في أمر دينه ودنياه، فالمسلم ما خُلُق إلا لأجل عبادة الله وحده سبحانه، فينبغي أن يستشعر ذلك، حتى تكون حياته كلها عبادة، فيكون في ساعات يومه ينتقل من عبادة لأخرى.

وها هنا أيها المسلم المبارك أضع بين يديك جدول للحياة اليومية، والذي ينبغي لكل مسلم العناية به، والمحافظة عليه. والله الموفق.

١- المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها -مع جماعة المسلمين- بالنسبة للرجال.

٢- المحافظة على السنن الرواتب (وجعلها كالواجب بالنسبة لك)، حتى إذا حصل لديك فتور، يكون الفتور في السنن، ولا تضعف عن أداء الفرائض.

٣- المحافظة على ورد يومي من القرآن (لا يُترك مهما كان الحال)، كقراءة جزء أو نصف جزء وهكذا. واعلم أن جعله في الصباح الباكر له أثر على البركة في بقية اليوم.

٤- المحافظة على أذكار الصباح والمساء، والأذكار التي تقال أدبار الصلوات، وأذكار النوم، وغير ذلك.

٥- المحافظة على الجلوس في مصلاك دُبر كل صلاة حتى تتم أذكارك.

٦- إن تيسر لك الصدقة ولو بريال واحد فافعل.

٧- المحافظة على صلاة الضحى.

٨- المحافظة على قيام الليل (ولو بالقليل)، واعلم أن أقل الوتر ركعة واحدة! فلا تحرم نفسك هذا الفضل العظيم.

٩- مجاهدة النفس على التحلي بالأخلاق الكريمة مع جميع الناس.

هذا الجدول لا تتخلى عنه مهما كان الحال، واحرص عليه كحرصك على شُرب الماء لتحافظ على صحة جسدك، فهو يحافظ على صحة قلبك.

وأكثر ما يحصل فيه التفريط في وقتنا الحالي هو «تضييع الوقت» و «عدم ترتيب الأولويات».

واعلم -رحمك الله- أن المحافظة على هذا الجدول من أعظم أسباب الثبات على الهداية؛ حيث إن المداومة على فعل الطاعات مثبت للعبد -بإذن الله تعالى ورحمته-.

والله أعلم، وبالله التوفيق.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


الجمعة، 17 ديسمبر 2021

أخي يتحرش بي جنسياً!! | علي بن مختار بن محفوظ




أخي يتحرش بي جنسياً!!

 

علي بن مختار بن محفوظ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال:

لا أعلم .. فعلاً لا أعلم من أين أبدأ، ولكن أبدأ بجملة تفسر حالي الآن: (أنا أتعذب نفسياً، ولا أجد أحداً أستطيع أن أشكو له بسبب خصوصية مشكلتي، أتمنى وأتمنى بل أرجوك أن تتحملني وتساعدني لأنني فعلاً أغرق وأنا لا أريد ذلك، أتعلم حتى عندما أبحث لها عن عنوان لا أستطيع وهذا ما يعذبني، هل أقول أنها تحرش جنسي من أقرب الناس "أخي" وجميع الشواهد تقول العكس، أم أقول أنها دفعة حنان منه أسأت فهمها وجميع الشواهد أيضاً تقول العكس، ما الذي حصل لي لا أعلم؟ ولماذا أيضاً لا

أعلم، وهذه مشكلتي:

نبذة قصيرة عني وعنه وعن أسرتنا:

أسرتنا من بيئة محترمة معروفة، لها مركزها الاجتماعي، أسرة متحابة رحومة، محافظة، ربتنا على المراقبة الذاتية ومراقبة الله في كل شيء، فيها من العيوب البسيطة كما في الأسر الأخرى، الحالة المادية ممتازة ولله الحمد، علاقاتنا ببعض ممتازة ما عداه (أخي)، عندي أخت تكبرني بست سنوات من أقرب الأقربين لي بعد والداي، أيضاً عندي أخي الذي يكبرني بأربع سنوات يبلغ الآن من العمر 24 عاماً وأنا بالتأكيد20 عاماً، لاشيء جديد من ناحيتي، أما هو فمشكلة لوحده، درس في مدارس تحفيظ القرآن إلى الصف الثالث متوسط، وكان إلى هنا رائع، ثم طلب نقله فنقله أبي إلى مدرسة أخرى، وانتقلنا أيضاً إلى بيت آخر، مع بداية الثانوية ومرحلة المراهقة بدأت المشاكل، تعرف على رفقة سوء في المدرسة، وتدنى تحصيله الدراسي، أعاد الصف الأول ثانوي والثالث ثانوي، تعرف على شاب من جيراننا من أسوأ الشباب أثر عليه أيما تأثير، دخل سجن الأحداث بسببه، ثم دخله أكثر من مرة بتهم مختلفة بسيطة لا تتعدى الثلاثة أشهر (محاولة سرقة سيارة، مضاربات... الخ) أبي عندما أصبح يتأخر في الرجوع للمنزل أخرجه من غرفة نومه، وأصبح يبيت في الملحق الخارجي، وهذا ما جعله يتمادى، أبي لا يراقبه، كان منشغلاً عنه ولكن ليس بالمرة، كان في البداية يسأل ويهتم، وحين لم يجد في نظره أن ذلك ينفع توقف عن مراقبته وربما تعب، أمي المسكينة فعلت كل ما بوسعها أن تفعل، عندما بلغ 20 عاماً عاد إلى شيء من رشده، وليته لم يعد، عاد بروح الكراهية والانتقام! ممن؟ من والديه وأخته الكبيرة التي تزوجت، ترك رفقة السوء بل كل الرفقة، لم يعد يحب الأصدقاء، عاد وأصبح يتلذذ في تعذيب أمي نفسياً تعذيب لو تضرب وتحرم من الأكل لكان أهون عليها من كلامه المسموم، بالطبع وضع كل الخطأ في ضياعه على والداي! أصبح يحدث أمي ما كان يفعله في أثناء فترة ضياعه، وما عرض عليه من مخدرات وأشباهها من الأشياء السيئة جداً، وكيف أنهم أهملوه مما سبب كل ذلك، أخذ يسب أمي ويعاتبها على سوء طريقة تربيتها (أمي عصبية (ليس جداً) وكانت تضرب ولكنها تندم وتعوض)، ويجعلها تتحسر وتبكي حين يذكرها بأسوأ المواقف التي مرت عليه في طفولته منها، لم يكن يذكر سوى الأشياء السيئة من والداي وبالأخص أمي لأنها كانت ولا زالت هي الوحيدة التي تجلس معه بالساعات مهما بلغ منها التعب، وفي أي وقت لتعطيه أذناً صاغية.

كل الصفات والخصال السيئة التي في أمي والأغلب أنها تتواجد في أي إنسان آخر كان يعظمها ويكبرها، ويجعلها هي السبب في ضياعه، حتى كرهت أمي نفسها، وشكت في قدرتها على التربية، والأعظم من ذلك كله شكت في حبنا كلنا أبناءها لها، لأمي الغالية التي ما شكى أحد منها ونحن خمسة غيره!

كان يقلب الموازين، ويفهم أي كلمة أو جملة أو حتى قصة بمفهوم خاطئ ولو كان خارجاً عن المنطق، كلنا لا نحبه، كلنا نتآمر عليه، هذه القصة قيلت لنحسسه بعدم أهميته، وتلك لغمزه ولمزه، هكذا يفكر، شيء عجيب أحياناً لا يدخل العقل، حتى العصير حين نتقدمه له لابد أن يكون من وراءه يا مقصد، يا مصلحة!

يعاكس أمي في كل شيء تقوله، ويبحث عن أي شيء يغضبها، ويستمتع بمرآها تدمع، صرح بأنه يكره أمي، ويكره أبي، وأنه يتعذب جراء ذلك، يقول الشيء ويفعل الشيء، ويبدو خارجاً من قلبه، ثم يندم عليه، ويتأسف أسفاً يبدو أنه تكلف وتصنع وهو لا يقصد ذلك، ولكنه يظهر وهو لا يعلم، كل يوم له رأي ومشروع وفكرة، واليوم الآخر ضدها أو فكرة ومشروع ورأي آخر، غير واثق من نفسه، متقلب، غامض، لا تستطيع توقع فعله القادم، يسأل كثيراً عن شخصيته (صنفوني هل أنا كريم، رحوم، واثق، جميل...الخ)، حاولت أن أبحث في صفة حسنة له لأكتبها لأكون عادلة فما وجدت، ساعات يكون كالعسل مع أمي ومعنا، وأخرى كالنار أو الثعبان يمشي ويلدغ، أتته فترة لا يرفض لأمي طلباً، ثم ينتكس وهكذا، أمي هذا الكائن العجيب مهما (وأقول مهما وأنا فعلاً أعني هذه الكلمة) مهما فعل تسامحه، إن عاقبته فبالمقاطعة، وقليلاً قليلاً تنسى وتعود! أهلي لا يعرفون كيف يعاقبون!! كان الطفل المدلل، ومازال الشاب المدلل، أخي يشكو من أبي، والمصروف الذي يعطيه إياه كل يوم، ويقول: أنتم لا تعرفون مقدار الذل الذي أتعرض له حين أمد يدي لآخذ المصروف كل يوم من أبي، بعدها بفترة عرض عليه أبي أن يعطيه إياه دفعة واحدة كل شهر فرفض؟! الآن وبالقوة يعطيه أبي مصروفاً شهرياً دفعة واحدة بداية كل شهر ليقيه من هذا الذل الذي يتحدث عنه، وحتى يتعود على التخطيط في الصرف، لكنه يأتي في منتصف الشهر ويطلب مالاً بحجة أن الذي معه انتهى، وللأسف الشديد أنه يعطيه! بعد جلساتنا الكثيرة مع أمي أنا وأختي الكبيرة، وبالإقناع؛ بدأت ثقتها في نفسها ترجع خاصة بعد اكتشافنا أنه لم يتذكر المواقف السيئة من ذاكرته بل كان يتفرج على أشرطة الكاميرا القديمة، ويدقق، وبعد هذا التقدم الذي أحرزته والدتي لم يعد يجدي كلامه، وعرف هذا فانتقل إلى خطوة أخطر وأكبر وأشد وقعاً على النفس الضرة (الجارة) الزوجة الجديدة الصغيرة، أخذ يقنع أبي أمامها بالزواج من فتاة شابة جميلة صغيرة التي تربي أبنائك أحسن من زوجتك هذه، ومن بجاحته يقول أمامها: زوجتك كبرت وأصبحت عجوزاً (مع العلم أن أمي ليست كبيرة فهي تبلغ الأربعين) إلى أن بكت أمي فاغرورقت عيناه، وتبسم وقام!

بالطبع رد عليه أبي رداً كان في صالح أمي وضد أخي، بعدها أخذ يحاول الآن (آخر شيء توصل إليه) بالإيقاع بين أمي وأبي: أنت زوجتك متسلطة هي التي تدير البيت، أنت ليس لك دور في البيت بسببها، كيف تصبر عليها، هناك أحسن منها... الخ

آسفه جداً للإطالة، ولكن أحببت أن تكون على دراية وعلم بشخصية أخي حتى تساعدني في حل مشكلتي.

 جاء دوري:

مع كل هذه الأفعال التي كان يقوم بها أخي قاطعت الحديث معه لأسلم من المضاربات والجدال، لأن كل أفعاله كانت لا تعجبني، وكنت أقولها له فنتضارب، قاطعته لفترة طويلة تعذبت فيها كثيراً، حاولت أن أكرهه حتى تكون المقاطعة مريحة بالنسبة لي، ولا أشتاق لمحادثته ولم أستطع، ربما لأنه أخي من دمي ولحمي، كانت الفتيات من حولي في الجامعة وقريباتي يتحدثن بمرح وحب عن إخوانهن، وكنت أكاد أبكي، كنت في فترة من الزمن قد تحدث لي عن علاقته بإحدى الفتيات بالماسنجر فحاولت أن أثنيه عن تلك العلاقات بطريقة المثل والقصة (لو زدت لزاد السقا)، والمعنى منها (إن كنت لا تعرفها): أي ما تفعله لبنات الناس يفعل بأهلك وأخواتك، وحين رأيت أنه تأثر بها زدت من القصص التي حدثت لي، وأصبح كلما دخل أحد من أقاربي وكشفني بالخطأ سألته، وصادف أنه يكون قد فعل شيئاً، أو أطل برأسه بباب أهل بيت كان مفتوحاً فرأى ما لم بريدون منه أن يراه.

حتى أصبح همه هذا الشئ، وجاء يوماً إلى أمي يشكي! ومن نفسه ومن عطله (عاطل) ومن تقدم العمر به (هو الذي كان يرفض أي وظيفة يقل راتبها عن 5000 ريال)، وأيضاً شكه الكبير (لا أعلم في أي شيء)، كما شكا من ذنوبه الكثيرة السابقة، وأن الله لن يغفر له تلك الذنوب، وعظته أمي بما يناسب لكنه أمسك برأسه وقال: والسقا يا أمي، وسالفة السقا ماذا أفعل؟ إلى أن أتى ذلك اليوم، في الصباح وقبل أن أذهب إلى الجامعة صعد إلى غرفتي، وصرفني منها حيث أخذ ذاكرة جوالي، ووضع بدلاً منها ذاكرة خالية، وخرج، حين صعدت وجدت مكان ذاكرة جوالي مفتوح، ألقيت نظرة على الذاكرة ولم تكن ذاكرتي بالطبع، كنت أضع قفلاً في جوالي، ولم يكن يعرف الرقم سواي وأمي وأختي الكبيرة، لهذا اضطر أن يسرقها ليضعها في جواله، ويرى ما بها لم يكن بها ما يعيب لكن كان بها مقاطع رقص بالنسبة لي كفتاة أمر عادي وتعلم بها أمي لكن كشاب لا غير أني لا أريد أن آخذ إثم مشاهدته تلك، وما قد تسببه له، ذهبت فوراً وطلبتها منه بأدب، فلم يرد، ثم نفى أن تكون معه، دارت محاورات بجميع الطرق ولم تفلح، حتى بتدخل أمي، وحين أوصلني للجامعة حيث كان أبي مسافراً وقتها سألني بوقاحة: هل هناك ما يخل أخبريني قبل أن أتفرج عليها؟! تجاهلته وصفقت بالباب، وحينما عدت أخبرني بأنه أعاد الذاكرة لامي، وطلب ذاكرته، تجاهلته وصعدت لأنام!

في الأعلى لحق بي وهنا بدأت مشكلتي، لحق بي وسألني عن ذاكرته رفضت الكلام.. رفضت الكلام.. رفضت الكلام.. إلى أن انفجرت بالكلام، وأخذت أقارن بما أفعله الآن وما يحس به حين يطلب ذاكرته الخالية، وأنا أرفض، وما أحسست به حين أخذ ذاكرتي بالقوة، ورفض أن يعطيني إياها وهي ممتلئة بأشياء لم أكن أريده أن يراها، أمسك برأسه وأخذ يدور في الغرفة ووجهه محمر، ثم قال: أنت تكبرين الأشياء أنت فقط عنيدة! لم أفعل شيئاً خطئاً؟ قالها وعيناه مغرورقتان، وفمه متجعد يكاد يبكي (ظننته نادم) ثم نزل واتصل على جوالي وقال: أنا أنتظر الذاكرة، أرسلتها له مع ورقة كتبت فيها: "قبل أن تفعل شيئاً في المرة القادمة وتتندم عليه استشر من هو أعلم منك بالخطوة التي تريد عملها حتى لا تندم! وإن كنت تظن أنك الوحيد الذي يستطيع أن ينزل دمعاً فغيرك أكثر" وأرسلتها مع أخي الأصغر، ثم أخذت أبكي، وفجأة صعد إلي تصنعت النوم فلم يستجب، وأخذ يهزني إلى أن قمت، وقال: اشرحي لي لم أفهم، وقرأها بصوت عال، ثم جعدها بيده ورماها في سلة النفايات، نظر إلي وأنا أحاول كتم دموعي، وقال: هناك شيء ما في قلبك نحوي ما هو؟

هنا انفجرت في البكاء، نظر إلي مرتاعاً ثم جلس على طرف السرير، وأعطاني المناديل وهو لا يجرؤ على النظر لي حتى لا يبكي، وقال: يبدو أن هناك كلاماً كثيراً لا بد أن يقال، إهدئي الآن ونامي وبعد نومك سنتحدث في هذا الموضوع، وخرج! لكنه قبل أن يخرج قال: لن أخرج حتى تضحكي فتبسمت تبسم المرغم، قال: لا أريد ضحكة، وداعبني بالكلام حتى ضحكت، فخرج وأغلق الباب، هنا بكيت على نفسي، لقد اشتقت لهذه الضحكة في وجه أخي، وتخيلت نفسي وعلاقتنا جيدة مع بعض، ومن الفرح ورحمتي لنفسي بكيت بكيت، ففتح الباب فجأة، وقد كان يسترق السمع لمدة لا بأس بها، وقال: ما يبكيك وجلس على طرف السرير، قلت: هي دموع فرحة، فلم يصدق، حينها قلت: منذ زمن لم أحس أن عندي أخ، والآن أحسست، أمسك برأسه واحمر وجهه، وأنا أخذت أبكي، قال لي: اهدئي حاولت الهدوء، ثم قال: اقتربي فاقتربت قليلاً بخوف، قال: اقتربي أكثر فلما اقتربت ضمني إلى صدره فأطلقت الباقي من عبراتي، وأخذت أبكي بكاء المعاتب، أطلقت كل الحزن الذي كان في صدري، ثم ضمني ضمة قوية جداً (وهو الذي كان لا يحب أي منا حتى أمي تقترب منه أكثر من مترين، ولو أنها لا تحادثه ولا تنظر إليه) كان إذا لمست أمي رأسه انتفض وأبعدها، وإذا جلست أختي الكبرى على بعد متر منه أقامها من مكانها، وأبعدها مترين عنه.

ضمني ضمة قوية، ثم أخذ يقبل رأسي وأنا في حالة نفسية سيئة جداً، ثم أبعدني قليلاً عن صدره، وأخذ يمسح على رأسي، ويبعد الشعر عن عيني، وهو يقبل جبهتي، ثم خدي، ثم رقبتي ونحري في قبلات سريعة جداً ومتلاحقة، ثم حين أبعدته بعد أن هدأت ورد إلي صوابي رفع رأسي فلم أنظر في عينه لأنه كان قريباً جداً، فأمرني بالنظر إليه وحاول تقبيل فمي إلا أنني أبعدته بقوة، وقلت له خلاص، فتركني ثم ذهب ورجع قائلاً: هيا لن أذهب حتى تقبلي خدي، وألصق خده بفمي، رفضت بقوة وغطيت وجهي بيدي، وذهب، لم أستطع النوم من الفرحة، نزلت لأمي وأخبرتها بكل شيء ما عدا جزء التقبيل فقد خفت منه، أختي أخبرتها بأنه قبل خدي ووجهي فقط، فلم ترتاح، وقالت لي: إنه شيء خاطئ وأن قصده كان سيئاً، فغضبت عليها وعلى تفكيرها المنحط، وقلت لها: هذا أخي لا يمكن أن يفكر هذا التفكير، وبداخلي شك نما، وفي نفس اليوم بالليل أرسل لي رسالة يطلبني فيها بالأعلى، وأن لا أخبر أحداً، وكان الجميع بالأسفل ولم أر الرسالة إلا متأخرة، فلما صعدت بحثت في الدور العلوي ولم أجده، في اليوم التالي خرج أهلي كلهم ولم يبق سواي وهو وأخوتي الصغار، لم أكن أجرؤ على النظر إليه بعد موقف الأمس، قال لي: لم لم تصعدي بالأمس، قلت: صعدت ولم أجدك! قال: كنت في غرفتي، قلت: ليس لك غرفة بالأعلى قال: بل هيا لأريك إياها، صعدت معه، وأثناء صعودي توقفت ليصعد هو قبلي كما كان يحب، لكنه أشار لأصعد أنا قبله، صعدت وأثناء ذلك أخذ يلمس مؤخرتي، أبعدت يده وأنا أنهره، ثم وضعها مرة أخرى وهو يقول (وناسه) نهرته بقوة وركضت، اتجه لغرفة الضيوف بالأعلى كان بها سرير متصل لشخصين!

وقال هذه الآن غرفتي ما رأيك بها، قلت تحتاج لبعض التعديلات، أخذ يلمس السرير بطريقة غريبة، ويقول ما رأيك بالسرير، قلت يحتاج لمفرش جديد، وأنا أتجاهل نظراته الغريبة؟ ثم قال: والإضاءة وأطفأ الأنوار، وأشعل إضاءة خافته جداً، هنا خرجت متظاهرة بأن علي أن أعود لأخوتي، فطلب مني أن أحضر مفرشاً جديداً من غرفة الخادمة بالأعلى (كنا نضع مفارشنا الغير مستخدمة هنا) صعدت الدرج وهو خلفي، ثم طلب أن أحضر المفارش، وكانت بجانب سرير الخادمة وأحتاج لأن أنحني وهو واقف عند الباب يتفرج، فقلت: لا أستطيع أخشى على نفسي من الغبار، ونزلت مسرعة، لحق بي وقال: هدي فقط هدي، قلت: أهدئ ماذا أنا هادئة، أرعبني وجهه المحمر، ونظراتها الزائغة الغريبة، نزلت وجلست عند إخوتي، بعدها بقليل أتى وقال: هناك أفلام لك تعالي خذيها من ملحقي، قلت: أحضرها أنت! قال: لا أعرفها بالضبط، ثم ذهب! تبعته فوجدته جالساً على الكنبة ويقول: هل أخبرت أمي بما حدث أمس؟ قلت: نعم، أمسك برأسه وقال: لماذا؟ قلت لم يكن هناك شيئاً خاطئاً يستوجب الكتمان إلا إن كنت تعتقد غير هذا، قال: هم سيفهمونه خطئاً قلت: لا لن يحدث هذا، لقد أعطيتني جرعة حنان وانتهى الأمر، قال لي: تعالي واجلسي بجانبي لأعطيك أخرى، قلت: لا الحنان ليس في هذا الأمر الذي لم أتعود عليه هناك أمور أخرى؟ قال: مثل ماذا؟ قلت التعامل والأسلوب والاحترام، قال: وأيضاً هذا، قلت: هذا الأمر لم أتعود عليه ولا يصح، قال: أنا أعودك الآن، قلت: هو لا يأتي بعد أن نكبر يأتي منذ الصغر وبالتدريج، قال: حسناً نبدأ من الصفر أنت اجلسي بجانبي وأنا أتدرج، رفضت تماماً ثم سألني منذ متى وأنت تحبينني (كنت قد قلت له بالأمس إنني حاولت أن أكرهك لكنني ما زلت أحبك) قلت: نعم؟ قال: منذ متى وهذه المشاعر عندك؟ قلت: منذ ولدت وأنا أحبك لأنك أخي (وضغطت عليها) قال لي: إنها مشاعر متبادلة، منذ متى وأنت تحبينني؟ قلت له: أنا أحبكم كلكم، أنت وأخوتي، قال: لكنني أنا أحبك أحبك، قلت: وأنا أتظاهر بالغباء والبراءة: بالتأكيد تحبني وتحب أختي وأخواني لأننا أهلك وأخواتك، وأنا أحبك لأنك أخي الكبير، هنا فهم فقال: إذن مادمت أخوك فلا تلبسي هذا القميص لأنه خفيف، قلت له: أنت سخيف إن كنت تنظر من هذا المنظار، فأنا أختك، ولم ألبس ما يخل فلا تدقق، وانظر لي نظرة إحدى محارمك، قال: انظري لي أنا ألبس بدل السروال اثنين! قلت له: حتى ولو لم تلبس شيئاً لما نظرت إليك نظرة سييئة.

فاجأني وقال: هل أخرج لك عورتي لأرى وأدخل يده في سرواله، فالتفت بسرعة وقلت: أنت مجنون ماذا تفعل، ثم قال: هيا التفتي الآن! لم التفت خفت كثيراً حاولت أن أثنيه قلت له: هل تعلم أن من يرى عورة الآخر ملعونان، قال: وهل أنا مجنون هل صدقتي لن أفعلها أبداً، حينها التفت التفاتة بسيطة فرأيت يده فقط، فالتفت بجسمي كله وإذا به يبعد يده لتخرج عورته المغلظة! شهقت بقوة، وأخذت أركض وأنا داخل البيت، وهو يلاحقني وقد أمسك رأسه، ويقول: أنت لم تشاهدي شيئاً، صحيح، لا تخبري أحداً، إنسي، إنسي، دخلت البيت وأنا أكاد أبكي، أردت ذلك لكنه لحق بي واعتذر، فلم أجبه، وأخذ يعتذر ويعتذر فلم أجد بداً من أن أتظاهر بأن شيئاً لم يكن، وأني سامحته بشرط أن لا يعيدها حتى يذهب عني، ذهب وحين أردت البكاء دخل أبي البيت، جلست معه في نفس الغرفه من الخوف، أتى أخي وحادث أبي وهو ينتظر أن أنظر له ليشير لي بالخروج لكنني لم أخرج! أيضاً اتصل علي بالجوال، وأخذ يسمعني كلاماً مقرفاً كلما تذكرت أنه خارج من فم أخي وهو بالضبط: حبيبتي عمري، حياتي عيوني، غلاي فلانه، أحبك أحبك.. الخ) حين تأكدت أنه خارج البيت أحسست برغبة كبيرة في البكاء، ولم أجد غير السباحة في الحمام والبكاء حتى لا يتضح صوتي، دخلت الحمام ثم اكتشفت سفاهة تفكيري وقلت: يجب أن أصلي ركعتين وأبكي لله وأدعو، ما إن أمسكت باب الحمام أريد الخروج حتى طرق هو الباب يريد أن أفتح له، أو أن أخرج لأحادثه وحدنا، ففتحت الماء، وتظاهرت بعدم السماع، وهو ينتظرني بالخارج. ولم أستطع البكاء، وأخذت أدعو الله أن يفكني من هذه الأزمة، وجاء الفرج أختي الصغيرة صعدت تريدني وهو هرب، فاستوقفتها إلى أن خرجت معها، حين عادت أمي وأختي أخبرتهم بما حدث، والقبل التي أخفيت أمرها، من الغد بكت أمي عنده وهي تنهره، وهو ينكر ويكذبني ويطلب الدليل، والعجيب في الأمر أنه يتكلم ويضحك ويتحدث، ويأكل ويتحرك في البيت عند أهلي وكأنه لم يحدث شيء؟ سألته أمي: لماذا فعلت كل هذا، فلم يجب بل يقول: فعلت ماذا؟ أنا لا أشعر بالأمان في المكان الذي يجب أن يكون أكثر أماناً من غيره "بيتي"! أنا بعدها لم أقو أن أضع عيني في عين أي رجل حتى أبي! (لكنني تحسنت الآن قليلاً) صرت أحس أن كل الرجال يفكرون هذا التفكير! أريد أن أرسو على أرض هل فعل هذا انتقاماً؟ شكا يريد التأكد هل أنا قليلة أدب أشتهي بسرعة؟ هما أثقل عليه يريد أن يفعلها هو بنفسه فيني فلا يعد يحمل همي؟ أم حناناً لم يعرف كيف يخرجه؟

ما جعلني أكتبها هو أنني لم أعد أضحك حتى الابتسامة إلا في الجامعة وفي بيت غير بيتنا، وأنا لا أريد هذا، أيضاً أنه صعد إلي قبل أسبوع في غرفتي، وكنت مقفلة الباب كالعادة بعد ذلك الموقف، وطلب أن أفتح له الباب، فلم أرد، ماذا أفعل، وماذا هو فعل؟ وكيف نتعامل معه وأنا بالذات كيف أتعامل معه؟ لا أعرف وهذا ما أحتاج الإجابة عليه، أرجوك وآسفة جداً للإطالة.

إضافة:

الآن حدث شيء جديد وهو كلما رأيته أشعر بالرغبة في البكاء، وتسوء نفسيتي كثيراً، ولا أطيقه ولا المكان الذي يجلس هو فيه! الحادثة الآن لها تقريباً شهرين، إضافة أخرى علمت أنه يأكل حبوب اكتئاب بعد مشادات عنيفة مع دكتوره الذي ذهب إليه مع والدي ليس رغبة بالعلاج ولكن ليثبت أنه على حق، انتهت الزيارة بإعطائه حبوب اكتئاب بمعدل نصف حبة، وهو يقول لوالدتي: إنني آكل حبة بسببكم (لا أعلم يريد بذلك إغضابها أم هو حقاً كذلك) لا يزال يقول: إته هو الصحيح، قال ذات مرة لإخوتي على الغداء: لقد اتهموا رسولكم (صلى الله عليه وسلم ) بأنه ساحر، مجنون، شاعر، وهو النبي الحق يلمح عن نفسه بذلك واتهامنا له، أضاف جديدة: طلب الزواج فجأة وبشدة بعد تحرشه! طلبت من أمي أن يتوظف وظيفة بسيطة حتى إذا سألوها أهل الفتاة عن الوظيفة لا تتحرج، والباقي من منزل ومصروف وغيره سيتكفل به أبي، توظف شهر واحد، ثم تركها مدعياً أن المرتب لا يستحق العناء (ألفين ريال) الآن ترك الجامعة الأهلية! وعاطل، ويدعي على أهلي أمام إخوتي لأنهم لم يزوجوه، عجباً وهل رفضوا؟

 الاجابة:

بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

أسأل الله تعالى أن يوفقك للوصول إلى أمثل الحلول لهذه المشكلة، أو الحصول على الإجابات الصحيحة لهذه الأسئلة، ونسأله تعالى أن يوفقنا للهدى، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ونسأله سبحانه أن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه.

المقدمة:

أشكرك على صبرك في استعراض أحداث حياتك، وهذا التطويل أو التفصيل مطلوب أحياناً للوصول لأصل المشكلة أو معرفة الأسباب الحقيقية في وقوعها.

وما شاء الله وصفك جيد للمشكلة، وتحليلك وافي لأركانها، وتفاصيلك مهمة وفي مكانها، وحل مشكلتك سيكون سهلاً - بإذن الله - لأنك قمت بالتحليل الذي يجعلني أطيل، فوفرت علي الوقت والجهد الذي أصرفه غالباً في التحليل قبل تقديم الحلول.

أنت وضعتينا أمام موضوع خطير أو نحن أمام مشكلة لا تهمك وحدك بل تهم المجتمع كله، فالتحرش الجنسي بالمحارم الذي وصل إلى زنا المحارم؛ زاد وانتشر لأسباب كثيرة قد يكون منها الانفتاح الإعلامي، وكثرة الوسائل الممهدة للزنا، مع عدم تيسير أسباب الزواج إلى غير ذلك من عوامل.

كلامك حول تجارب التحرش الجنسي من أخيك التي مرت بك أظن أنت تذكريها لهدف معين، أرجو أن أكون قد أحسنت فهمه وهو معرفة التأثير السلبي على حياتك، لأنك تعرضت لهذه التجارب التي لا تنسى، وأنت تعتبريها ذكريات أليمة ستحتاج إلى وقت وجهد للنيسان، والحمد لله أنها لم تقع لك في طفولتك، وإلا لتركت جرحاً عميقاً يصعب التخلص منه؛ لأن التجارب الأليمة التي تظل عالقة في ذهن الطفل ولا يمكن أن ينساها إلا بصعوبة، وهي تؤثر ولا شك في حياته، بل بفضل الله أشعر أنك أحسنت التصرف حين بادرت فوراً بإبلاغ الوالدة بما وقع من أخيك، فهذه مساهمة طيبة منك لحل المشكلة، وإيقاف أخيك عند حده، إضافة إلى - ما شاء الله - حرصك على إصلاح هذا الخلل في أخيك.

ولكي ننجح في علاج هذه المشكلة لا بد للتعامل مع هذه الذكريات أو تلك الوقائع أو هذه المأساة بصورة واقعية، وإذا أردنا أن ننجح في تقديم العلاج المناسب لا بد من الوقوف على جميع التجارب الأليمة السابقة كحل علاجي لمن عانى مرارة التجربة، وظل أسيراً لصمته وتستره على الأمر، وهذا الخطاب إلينا سوف يخفف عنك تحمل هول الصدمة لوحدك، وأيضاً يساعدك في المساهمة في حل المشكلة.

 أولاً: شعور وتحذير:

أشكرك لأنك بُحت ببعض أسرارك، وأرسلت هذه المشكلة لسببين:

لتشعري بالراحة، لأنك من الممكن أن تباتي أسيرة الأحزان، أو غريقة في الهواجس، أو أسيرة الاكتئاب، أو لشعورك بفقدان الثقة في نفسك وأخيك، أو عائلتك أو المجتمع، وأنا أحذرك - ولا تستغربي - فالشيطان له مداخل غريبة لإيقاع العبد في المهالك، فأحذرك أن تكوني قد شرحت هذه التجارب الأليمة لتكوني كذلك قد قدمت بعض المبررات الكافية لوقوعك أنت في بعض الأخطاء مثل التحدث بالشات بدلاً من دخول المواقع المفيدة، أو جمع صور بالهاتف الجوال، أو بعض الأمور التي سوف أذكرها بعد قليل.

ولكي ننجح في تشخيص الداء، ووصف العلاج، أو لتتخلصي من بعض همومك؛ نحتاج أن نتعاون لقراءة هذه النصائح، وعدم الاكتفاء بقراءتها فقط بل نتعاون في تنفيذ هذه الخطوات، واعتبريها تعليمات تنفذ، أو أوامر تطبق تحتاج لصبر، وخصوصاً خطوات مجاهدة النفس التي ستأتي في أثناء كلامي.

 ثانياً: ما الحل؟

أنت بحاجة لمجموعة من النصائح والتوجيهات، مع وضع بعض الخطوات العملية التي توصل - بإذن الله تعالى - للحل المناسب، وقد أحسنت حينما فعلت بعض الحلول لردع أخيك أو إيقافه عند حده، لكني لاحظت أنك لم تتخذِ الخطوات الكفيلة بردع أخيك ردعاً نهائياً، فأنت بحاجة لبعض الإرشادات العملية لكِ وله؛ لمنعه من التعرض لك مستقبلاً، وليحترمك ويقدرك، ويميز بين الأخت وغيرها، و ويقدر المحارم، ويراعي حرمة العلاقة، ويفرق بين العلاقة الزوجية والأخوية، ويتعلم كيف يجاهد نفسه وينتصر عليها، ويقاوم شهواتها ويتغلب على هواها، ويمنعها من ارتكاب المحرمات فلا يعتدي على المحارم، أو يهين نفسه ويذلها أمام الآخرين، أو يحقق ما قد عبرت عنه وهو استشعار رقابة الله تعالى للعبد، والشعور بقدرة الله تعالى التي تمنعه من التمادي في فعل المحرمات، وهذه الرقابة لو زرعت في نفسه وترسخت في قلبه قد يمتنع عن الوقوع في هذه الأعمال المنافية للآداب، بل ويبتعد عن إيذاء المحارم والتحرش بالأقارب.

 ثالثاً: شخصية أخيك:

من خلال كلامك عن أخيك يتضح أن شخصيته ضعيفة ومهزوزة، ومزاجه متقلب، ولا يتمسك بالمبادئ، ويتأثر بمن حوله من أصدقاء السوء، ثم إذا استيقظ يبحث عمن يتحمل عنه أوزاره، فيحملها على الآخرين، وحتى في حالة استيقاظه لا يحسن أن يجاهد نفسه، ولا يعرف كيف يلازم التقوى، أو يسير في طريق الاستقامة، ولا يعرف كيف يتخلص من جميع الكبائر السابقة، أو يسعى لغيرها.

وقد تكون هناك جوانب من شخصية هذا الأخ لم نطلع عليها، لكن المهم أن كل إنسان عنده جوانب للخير ونوازع للشر، وقد يتفوق جانب الخير عند بعض الناس فيكون الشخص مستقيماً غالباً، وإذا ارتكب بعض المعاصي ففي السر، وتكون من الصغائر التي تكفرها الأعمال الصالحة (إن الحسنات يذهبن السيئات)، وبعض الناس يغلب عليه جانب الشر، ويعقد تحالفاً مع الشيطان، ويبتعد عن طريق الاستقامة، ويلازم طريق الغواية، وإذا أحسن أحياناً فلا يستمر إلا لحظات وتسيطر نفسه الشريرة على أعماله, وطبعاً يوجد الصنف الثالث المتقلب بين الخير والشر، يسير في طريق الشر أياماً بسبب شخصيته الإسفنجية، ويمضي في طريق الخير شهوراً، وأنت ذكرت في كلامك أنه يكون أحياناً كالعسل, ولكن مشكلته الكبرى أنه يحمل الآخرين أسباب وقوعه في الفواحش، ويظل طويلاً يفتش في الماضي، ولا يحاول نسيانه أو الاستفادة منه كتجربة تنفعه في بقية عمره، ويظل غارقاً في ذكريات الماضي القديم، ولا يعالج الحاضر أو يخطط للمستقبل، وأظن أن أخيك من هذا النوع، فهو يحمل أخطاؤه على التنشأة الأولى، أو الإهمال من الأب، وسوء التربية أو التساهل واللين والدلع المؤدي للمخاطر، أو يقوم بإلقاء اللوم على الأم، ثم الأم، ثم الأخت ثم المجتمع، ولا يحاول أن يفتش في نفسه، أو يبحث عن عيوبه، ويحاول إصلاحها.

فهذا الأخ ضعيف أو مسكين أو يحتاج لمن يساعده في طريق الخير، ويأخذ بيده - سواء من الأهل أو الأصحاب المخلصين - ليتشرب الخير، ويسير في طريق الصلاح والاستقامة، ويستمر على ملازمة التقوى، وهذا بحاجة إلى خطوات عملية تنفيذية مدروسة، وأيضاً يحتاج لنصائح مباشرة منكم، وهي لا تنفع كما ذكرت في كلامك بعض الأحيان، فعليكم بالنصائح غير المباشرة التي ممكن أن توصلوها له عن طريق شريط نافع، أو كتيب شيق، أو نصيحة من صديق عزيز، أو قريب مخلص، أو يحتاج لمن يأخذ بيده، ويرغبه في طريق الخير، ويدله على أعمال البر، أو يمشي معه في طريق الاستقامة، وما المانع أن يلتحق بجميعة خيرية، أو ناد رياضي، أو مكتبة، أو يشغل نفسه بعمل إضافي، حتى يعود متعباً ولا يجد وقتاً ليستولي عليه الشيطان، ويتأكد من فائدة إشغال الوقت بما يرضى الرحمن.

 رابعاً: من المسؤول:

لا شك أن أخيك هو المسؤول الأول حالياً، لكن المسؤولية لا تنحصر فيه وحده، فهي مسؤولية مشتركة وتاريخية وتتعلق بالتربية والتنشأة، وهي تبدأ من الأب، ثم الأم، ثم المجتمع بمؤسساته المتنوعة، والأهل والأقارب والأصدقاء، إضافة إليك أنت، وما تحميله من مسؤولية لإصلاح أخيك.

فهل الأب قام بواجبه في التربية الطيبة، هل أسس بيتاً مسلماً يقوم على الطاعة والذكر، أم جلب إليكم وسائل الترفيه، وسهل لكم الحصول على المنكرات سواء المسموعة أو المشاهدة أو المقروءة، والتي بدورها تثير الشهوة، وتأجج لهيبها في نفوس المراهقين أمثال أخيك.

هل واصل الأب القيام بمسؤولياته؟ أم اعتمد الأب فقط أنه وضع ابنه في مدرسة تحفيظ القرآن، فالمدرسة وحدها لا تكفي، هل غرس في نفس أخيك حقاً الخوف من الله تعالى، ولماذا لم يستمر الأخ في مدارس تحفيظ القرآن، فهل فكرتم أن يكون ابنكم من الشباب الذين نشأوا في طاعة الله تعالى حتى يكون من الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله (منهم) شاب نشأ في طاعة الله" الحديث متفق عليه، ثم بعد تغيير المدرسة لماذا لم يلتفت الأب لخطورة تغيير المدرسة؟ وهل الأب يتابع الأولاد جيداً، ويتفقد أحوالهم، أم يسعي وراء جمع المال كغالبية الآباء المفتونيين بالمال، وهل يترك أولاده للتربية في أحضان الخادمات، ثم هل تقوِّم الأسرة من ينحرف عن طريق الاستقامة، هل سألتم قبل اختلاط أخيك مع من يمشي، أو هل عرفتم من يصاحب خصوصاً بعد تغيير المدرسة؟ وحتى بعد فترة الانحراف والعودة إليكم لا أجد من يهتم بشغل وقت أخيكم، أو إرشاده للطريق المستقيم.

ثم هل قامت الأسرة بحسن تربية أخيك أو إخوانك وأخواتك التربية الإسلامية الصحيحة، يعني إذا قصر الأب أين بقية الأهل؟ لإيقاظ الأب، وإنقاذ الابن.

هل تظنين يا ابنتي أن أخيك انحرف بين عشية وضحاها؟ الأمر ليس كذلك، ولكن وراء انحراف أخيك أسباب كثيرة أنتم عنها غافلون أو متغافلون.

ثم هل لوالدك الدور الفعال في إصلاح أخيك، لا أظن أعتقد أن له دوراً هامشياً، وأنت ذكرت أن الأب تقريباً لم يحرك ساكناً، وترك الابن فترة طويلة مع أصدقاء السوء.

إن الأب وللأسف لم يراع الله عز وجل في الرعية التي استرعاه الله عليها، فأين هو من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" متفق عليه.

يجب أن تتسائل الأسر جميعاً - خصوصاً من تفقد فلذة كبدها - هل زرعتم في ابنكم الإيمان؟ هل رسختم في قلبه حب الخير والإقبال على فعل الطاعات، والحرص على التنافس في الخيرات، والمواظبة على أداء الصلوات في الجماعات وهذا هو عنوان من عناوين الاستقامة على شرع الله، والبعد عن المعاصي، فالصلاة في حد ذاتها تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال ربنا جل وعلا: ((إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)) العنكبوت:45، ولكن بعد كل هذا، ومع اجتهاد الكل في إصلاح الابن نقول: الهداية بيد الله تعالى، ويحتاج الابن لدعاء الوالدين المستمر بالثبات والبعد عن الزلات.

أما الأم فهي ضعيفة أمام شخصية هذا الابن المتقلب، وإن كانت مسؤولة كذلك عن بعض التدليل الذي أثر على شخصية أخيك، ولكن في مرحلة الانحراف التي وقعت لأخيك كان من المفترض أن يكون الأب متواجداً أكثر في هذه السن الخطرة، والأم من ضمن دورها المطلوب أن تطلب من الأب تحمل المسؤولية في تربية هذا الابن في هذا السن الحرج، وأظن أن الأم قد لجأت لبعض الحلول، وتناست أهمها، لن ينفع مع هذا الأخ سوى الخطوات التي سوف أذكرها بعد قليل، والتي فيها حلول عملية لهذه المشكلة.

خامساً: هل الأمل مفقود أو ما الأسباب؟

على الرغم من صعوبة المشكلة لكن الأمل لا يزال موجوداً في إصلاح هذا الأخ، ما دام قد ابتعد عن أصدقاء السوء، وأيضاً لأن هناك جوانب للخير في نفسه، وقد ذكرت أنه أحياناً يكون معتدل المزاج، لكنه من المؤكد أن تكون هناك عوامل أثارت الشهوة في نفسه، أو أن هناك أسباباً جعلته يتحول من المعاصي في الخارج مع شباب الشارع، وينتقل إلى البيت ليمارس هذا النوع الجديد من المعصية.

فلا بد من البحث عن الأسباب التي دفعت هذا الشاب للتحرش جنسياً بك، وتحاولون إبعاد هذه الأمور عنه، فإذا كانت الفضائيات فاطلبي فوراً من والدك أو ممن حولك إلغاء القنوات المثيرة، والإبقاء على المفيدة والمحافظة فقط.

قد تكون المجلات الخليعة هي السبب، أو الحاسب الآلي والانترنت، أو الأفلام والفيديو، فيجب التخلص من كل ما يثير الشهوة، أو إتلاف أي مظاهر للفساد عندكم من وسائل محرمة تثير الشهوات، وتلهب العواطف، أو وضع هذه الأجهزة ذات الحدين (النافع والضار) في مكان عام مشترك بحيث لا يخلو الشاب بنفسه، أو الفتاة بنفسها مع هذه الوسائل الحديثة المدمرة.

قد تكون أنت أيضاً من ضمن الأسباب: قد تتساهلين في ارتداء ملابس فاتنة أمامه وهو شاب وغير متزوج، ومن المؤكد أنه مشغول بأمور تثير الشهوة وتأجج الفتنة، ولذلك ينبغي للنساء عدم كشف المفاتن أمام الرجال المحارم.

 سادساً: بعض طرق العلاج:

وهذه الطرق تحتاج لصبر وطول نفس، ومجاهدة، وهذه المجاهدة سبق وتوسعت في الكتابة عن خطواتها في استشارة سابقة في هذا الموقع لها أون لاين تحت عنوان: ساكن خيالي هل هذا حب؟  أرجو أن ترجعوا لها، إضافة للتركيز على هذه الخطوات.

أ/ أهم خطوة:

هو شغل وقت الفراغ، والتعرف على طرق وأساليب الطاعات، وكيفية التسابق إلى الخيرات مع العمل على شغل وقت الفراغ بالنافع المفيد، والعمل على اكتساب مهارات، وذلك بالحرص على المزيد من طلب العلم في الأمور التي تنقصكم، ويمكنكم حضور دورات علمية لأنها بعيدة عن الملل والرتابة، مع الإكثار من القراءة النافعة، أو سماع الأشرطة المفيدة، والدخول لمواقع أو منتديات مفيدة، وابتعدي عن الشات أنت وأخيك فمخاطره كبيرة، أوصي أخيك بمجالسة كبار السن الصالحين، توجهي لله تعالى، واسأليه بصدق وإخلاص أن يحل مشكلته، ويوفقك في الأمور التي تتعثري فيها، واعلمي أنك كل يوم ستقابلك مشكلات أخرى، واعلمي أن مفتاح حلها بالتقرب إلى الله تعالى، والتودد إليه سبحانه، والتضرع بالدعاء بين يديه، ومراعاة آداب الدعاء، والبعد عن موانع الإجابة، مع التذلل إلى الله تعالى، وقيام الليل بين يديه خصوصاً في أوقات الإجابة مثل الثلث الأخير من الليل، وهذه العبادات وتلك الأدعية سوف تعينك على تجاوز هذه الأزمة أو الأزمات القادمة، وكذلك استعيني بالصبر والصلاة فهي أيضاً من ضمن أسلحة المسلم للوقوف في وجه المشكلات، وتجاوز العقبات.

ثم السير مع هذه الخطوات:

ب- المتابعة المستمرة:

عليكم بمتابعة أخيكم متابعة متواصلة خصوصاً من الأب، والتأكد من مواعيد خروجه ودخوله، ومع من يخرج ومن هم أصحابه، فلا بد من إبعاده عن قرناء السوء باستخدام أسلوب الإقناع أو الحوار برفق ولين.

ج- استخدام الوسائل غير المباشرة:

مثل إحضار الأشرطة الدعوية والكتب الإسلامية والتي تركِّز على تقوية الإيمان، وترفع مقدار الشعور برقابة الجبار، وتحض على فعل الطاعات، وتحذِّر من فعل المنكرات، وخصوصاً التي تتكلم في الرقائق مثل الموت وشدته، وتذكر بالقبر وظلمته، وتتحدث عن القيامة وأهوالها، وتبين الصراط وحدّته، وتخوف من الحساب ورهبته، ترغب في الجنة ونعيمها، وترهب من النار وعذابها.

دـ أهمية غض البصر:

عليكم أن توصلوا لأخيك بطرق مباشرة أو غير مباشرة أهمية غض البصر عن كل ما حرم الله، امتثالاً لقوله تعالى: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)) النور:30.

هـ- الزواج:

عليكم بالإسراع والمبادرة بتيسير أسباب تزويج أخيكم؛ حتى لا يتورَّط أكثر في أمور أخرى قد تصل لارتكاب الفواحش والاستعانة بالحرام، وهذا استجابة لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه له أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" متفق عليه. ومعنى قوله:"وجاء" أي وقاية وحماية من الوقوع في الحرام، فإن لم يتيسر لكم ذلك في الوقت الحالي فعليكم بإرشاده للصوم، فإن الصوم يهذب النفس، ويحد من قوة الشهوة.

وـ الدعاء:

عليكم باللجوء إلى الله، والدعاء بصدق وإلحاح وسؤال متكرر أن يهدي أخيك، وأن يعصمه الله تعالى من الشيطان، وأن يبعد عنه الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأبشروا بالخير وإن تأخرت الاستجابة، فعليكم بالإلحاح والتكرار، وعدم الملل فإن الله هو القائل: ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)) البقرة:186.

زـ الحث على التوبة:

عليكم أن تحثوا أخيكم على التوبة النصوح، والإقلاع عن هذا الذنب وغيره، والعزم الأكيد على عدم العودة إلى المعاصي مرة أخرى، وأخبروه بأن رحمة الله واسعة، وأن الله يفرح بتوبة العبد إذا تاب ورجع إليه كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.

وأما الخوف من موضوع السلف والدين أو موضوع السقا فهذه اجتهادات من العلماء للتحذير من عواقب الوقوع في الفاحشة، أو التساهل في ارتكاب جريمة الزنا، فلا بد من رادع قوي لبعض الناس ممن لا ينزجرون بآيات الله تعالى، ولا ينتهون عن الوقوع في الفواحش إلا بالتهديد والوعيد والتخويف من العقاب الدنيوي قبل الآخروي، لكن إذا تاب العبد المذنب توبة نصوحاً وأناب، وعزم بصدق على عدم العودة لتلك الفواحش فلا أظن أن يعاقبه الله تعالى بأن يبتليه بوقوع الفاحشة في أهله، ولا توجد أدلة من السنة على ذلك، بل هي اجتهادات من بعض كبار أهل العلم لردع العصاة، وتخويف المتساهلين، وحتى لو حدث هذا الأمر فهو ابتلاء جديد، وإيقاظ للضمير، ويحتاج لصبر ولتوبة حقيقية.

ح- النظر لمن هم أقل منكم:

ثم عليكم أن تنظروا لمصيبة غيركم فسوف تهون عليكم مصيبتكم، فالسليم ينظر لصاحب الابتلاء فيصبر ويشكر، فالمبصر مثلاً لو نظر للأعمى حمد الله على نعمة الإبصار، وهانت عليه المشكلة أو المصيبة التي نزلت به، وفي الحديث الصحيح: (انظروا لمن هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم) رواه مسلم، فلو قارنت حال أخيك أو مشكلتك بحال من تعرض لمصائب أشد فسوف تتقبلي المشكلة، وتنجحي في حلها، وتحمدوا الله تعالى على أن مشكلة أخيكم لم تتعقد أكثر من ذلك، وسوف تصل لنهايتها التي نتمنى أن تكون سعيدة، وهذه النهاية السعيدة تحتاج لجهد مستمر، والأمر فعلاً بحاجة إلى صبر وقوة في التحمل، وقدرة على مواجهة المشكة.

ح ـ استعمال الشدة أحياناً:

عليكم أن تظهروا لأخيكم الضيق والضجر أحياناً، والغضب لما فعله حتى يتضح له قبح فعله، ويكون كلامكم معه على قدر الحاجة، حتى يكون ذلك رادعاً له، ولكن لا يدوم هذا الحال مدة طويلة حتى لا يأتي بنتائج عكسية.

ط ـ التعزيز والتشجيع:

عليكم بتشجيعه إذا وجدتم منه إقبال على الطاعة، وشعرتم منه بحسن التوبة وصدقها، وهنا يجب عليكم أن تتناسوا الماضي بكل قبحه، ولا تحاولوا أن تذكروه به إذا صدر منه شيء خطأ، ولا تسخروا منه، فهو على كل حال إنسان، بل هو شاب في سن المراهقة، وغير معصوم والخطأ منه قد يكون غير مقصود، فقد يكون بقصد التجربة وليس حب المعصية، فالرفق به مطلوب، والحلم معه مرغوب، والصبر عليه محبوب.

ك- ترسيخ خلق الرضا:

فأخيك لا يقبل إلا براتب كبير، ويعترض على المصروف القليل، والأخ يحتاج لترسيخ مبدأ القناعة التي هي كنز لا يفنى سواء بوسائل مباشرة أو غير مباشرة، مع ترسيخ الإيمان العميق بخلق الرضا بالقليل، وعدم التضجر من الفقر، واتباع هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - القائل في الحديث الصحيح: (يا ابن آدم ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس).

ل- قيام الليل:

وأما الحل الأكيد والسبيل الوحيد للوصول للإصلاح التام لحال أخيك فهو قيام الليل أو الصلاة والدعاء في جوف الليل مع معرفة شروط استجابة الدعاء وآدابه، واللجوء إلى الله تعالى في جوف الليل هو النجاة في أشد الظروف وفي أحلك اللحظات.

فعَنْ بِلالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ)) حديث صحيح رواه الترمذي وغيره.

هاهو نبي الله صلوات ربي عليه يقول: (أتاني جبريل فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس) حديث صحيح رواه الحاكم عن سهل بن سعد.

فركعات السحر تسكب في القلب أنساً وراحة وشفافية، فالإنسان بحاجة لخلوة بربه ومولاه لكي يناجيه، ويدعوه، ويلح عليه في طلب ما يريد، ويتلذذ العبد بالتعبد بين يديه، والتقرب إليه، يستمد من الله تعالى العون والتأييد، ويطلب منه كل ما يريد، ومن يبحث عن حل حقيقي مستمر لمشكلة هداية الأبناء فلا بد من الدعاء في جوف الليل.

فكم من مشكلات لم نجد لها حل إلا باللجوء إلى الله تعالى وقت السحر يعني في الثلث الأخير من الليل، مع التوجه إلى الله تعالى لحل الأزمات، وتفريج الكربات.

وقد يتعرف الآباء على طرق وأساليب التربية الحديثة لتربية الأبناء، ويستعملون نظريات جديدة لتربية الأولاد، ويتناسون اللجوء إلى الله تعالى لهداية الأبناء، فالقلوب بين يديه، والهداية بأمره.

عليكم جميعاً باستغلال أهم وقت في إجابة الدعاء وهو ثلث الليل الأخير كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - قال: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟! من يسألني فأعطيه؟! من يستغفرني فأغفر له) رواه البخاري ومسلم.

فهل بعد هذا الإغراء والتشويق نتراخى ونتكاسل عن الدعاء والاجتهاد في جوف الليل؟! ألسنا الفقراء إلى الله؟! ألسنا الضعفاء والمحتاجين إليه؟! إننا بأمسِّ الحاجة لإجابة الله وعطائه وغفرانه، واللجوء إلى الله تعالى لحل المشكلات؟

والله يوفقكم للوصول للحل السليم، ونسأل الله لنا ولكم ولأخيك التوبة النصوح، والثبات على تقوى الله تعالى، والاستقامة على أوامره (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق: 2 - 3.

وأخيراً: عليكم أيضاً أن تشغلوا وقته بما هو نافع ومفيد من حفظ قرآن وطلب علم، وممارسة رياضة، إلى غير ذلك من الأمور النافعة التي تبعده عن المعصية.

نسأل الله تعالى لنا ولكِ التوفيق والسداد، وأن يمنحنا جميعاً القدرة على الوقوف في وجه المشكلات ومواجهة العقبات، هذا و الله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

شهوة النسا

عبد العزيز  بن محمد آل عبد اللط

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني PKK | تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني pkk   تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي. "لماذا تعتبر تركيا محاربة تنظيم حزب العمال الكرد...