بسم الله الرحمن الرحيم
فوائد حديث التحصن من فجأة
البلاء، ومن كل ضر ووباء..
عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ - عليه الصلاة والسلام - يَقُولُ: " مَنْ قَالَ : بِسْمِ
اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي
السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاث مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَة
بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاث مَرَّاتٍ لَمْ
تُصِبْهُ فَجْأَة بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ " رواه أبو داود (5088)، والترمذي
(3388)، وصححه الألباني - رحم الله الجميع -.
وفي
لفظ الترمذي: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ
كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي
الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاث مَرَّاتٍ
لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ ".
يستفاد من
هذا الحديث جملة فوائد:
أولا:
إرشاد النبي - عليه الصلاة والسلام - إلى قول هذا الذكر من رحمته - صلوات الله
وسلامه عليه - بأمته ورأفته بهم..
قال تعالى: {لقد
جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}
قال العلامة السعدي - رحمه الله - عند تفسير الآية : " { بالمؤمنين رؤوف رحيم }
أي : شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم. ولهذا كان حقه مقدما على سائر
حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمان به، و تعظيمه، وتوقيره، وتعزيره "
انتهى.
ثانيا: الذكر
في هذا الحديث من جملة الأذكار التي هي دواء للروح والبدن..، = [لم تصبه فجأة بلاء! / لم يضره شيء!]..، وكما قال عبد الله بن عون -
رحمه الله -: " ذكر الناس داء، وذكر الله دواء “.
قال الإمام الذهبي - رحمه الله - معلقا على كلام ابن عون: " قلت: إي
والله، فالعجب منا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداء، قال الله تعالى : { فاذكروني أذكركم }، { ولذكر الله أكبر}، { الذين آمنوا وتطمئن
قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب }،
ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله، ومن أدمن الدعاء ولازم قرع الباب فتح له
" السير 6/369.
و" ههنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي
يستشفى بها ويرقى بها، هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحل، وقوة همة
الفاعل وتأثيره " الجواب الكافي للإمام ابن القيم - رحمه الله - ص: 8.
ثالثا: يستفاد
من الحث على الذكر الوارد في الحديث لتجنب الضر وفجأة البلاء: أن ( الوقاية خير من
العلاج) ، وفي اصطلاح المتشرعة :" الدفع مقدم على الرفع "!..، فالذاكر
لله في عافية بفضله - سبحانه - ورحمته ..، و[ ذكر الله حصن ! ]، ولذا ألف الإمام
ابن الجزري - رحمه الله - كتابا في ذكر الله بعنوان : ( عدة الحصن الحصين من كلام
سيد المرسلين ).
قال صاحب (كشف الظنون) 1/669 : " لقد أحسن من قال :
إن نابك الأمر المهو * ل اذكر إله العالمينا
وإذا بغى باغ علي * ك فدونك الحصن الحصينا " انتهى.
رابعا: مما
يستفاد من الحديث: الرجوع إلى الله تعالى ب
[ التعوذ به - جل وعلا - من كل ضر وبلاء ! ]..
قال تعالى : {
قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق }
قال العلامة صديق حسن خان - رحمه الله - عند قوله - سبحانه - {من شر ما خلق } :
" فمعناه : من كل شر من أي مخلوق قام به الشر، من حيوان أو غيره، إنسيا كان،
أو جنيا، أو هامة، أو دابة، أو ريحا، أو صاعقة، أي نوع كان من أنواع البلاء في
الدنيا والآخرة " الدين الخالص 2/196.
وعند مسلم في صحيحه قال عليه الصلاة والسلام: " إذا نزل أحدكم منزلا، فليقل:
أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه "
قال الإمام أبو العباس القرطبي المالكي - رحمه الله - عند هذا الحديث
:" هذا خبر صحيح، وقول صادق، علِمنا صدقه دليلا وتجربة، فإني منذ سمعت هذا
الخبر عملت عليه، فلم يضرني شيء إلى أن تركته، فلدغتني عقرب بالمهدية ليلا، فتفكرت
في نفسي، فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات .." المفهم 7/36.
خامسا: مما
يستفاد من الحديث: [التعلق بالله تعالى ! ]، و مما يحمل منه على شهود هذا المشهد
قوله : " وهو السميع العليم "
قال العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسي - رحمه الله - عند شرح
الحديث:" ( وهو السميع العليم ) لا يخفى ما في الختم بهذين الاسمين الكريمين
من مناسبة المقام، فهو تعالى السميع لذاكر اسمه، العليم باعتماده وتوكله عليه
" تحفة المخلصين بشرح عدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين 1/418.
وقال الشيخ عبد الرزاق البدر - حفظه الله -:" (وهو السميع العليم) أي :
السميع لأقوال العباد، و العليم بأفعالهم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في
السماء " فقه الأدعية والأذكار 3/13.
والمتعلق بالله تعالى يشهد مشهد التقوى، والمتقي موعود بالفرج حيث لا تضيق
عليه المخارج..
قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: " ضاق بي أمر أوجب غما لازما
دائما، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه؛ فما رأيت
طريقا للخلاص، فعرَضَت لي هذه الآية: { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } فعلمت
أن التقوى سبب للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى، فوجدت المخرج
" صيد الخاطر ص : 332.
سادسا: يستفاد من ذكره تعالى (صباحا ومساء) كما في الحديث أعلاه:
[ تجديد الصلة بالله تعالى، وعمارة طرفي النهار بالذكر ! ]، و شاهده من القرآن
قوله - سبحانه - : {وسبحوه بكرة وأصيلا }
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية: " وقوله: { وسبحوه بكرة وأصيلا } أي :
عند الصباح والمساء، كقوله : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في
السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون }" تفسير ابن كثير
6/436.
وقال العلامة ابن عاشور - رحمه الله -: " والمقصود من البكرة والأصيل
إعمار أجزاء النهار بالذكر والتسبيح بقدر المُكْنة لأن ذكر طرفي الشيء يكون كناية
عن استيعابه " التحرير والتنوير 22/48.
سابعا : يستفاد من تكرار الذكر (ثلاثا) كما في الحديث : [
تقوية حصن الذكر ! ]، بشرط تفهمه وحضور القلب عنده، فالأذكار عموما، وذكر الصباح
والمساء خصوصا بمثابة الدرع كلما زادت سماكته ازدادت قوته ..
قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - في كلام له مسموع : " الأوراد
الشرعية حصن منيع أشد من سد يأجوج ومأجوج ".
مع التنبه إلى ضرورة لزوم العدد المحدد كما جاء عن نبينا - عليه الصلاة
والسلام - ففي ذلك : [ شهود مشهد العبودية لله - تعالى - ! ]، و [ الوقوف عند
حقيقة الاتباع لرسول الله - عليه الصلاة والسلام - ! ].
قال
صاحب نظم الكفاف في الفقه المالكي الشيخ محمد مولود بن أحمد فال ( آدّ) الشنقيطي -
رحمه الله - ص : 10 :
وكرهوا جواز ما الشارع حد * كصاع فطرة وتسبيح ورد
ثامنا : الذكر الوارد في الحديث أعلاه يشهد معه الذاكر :
- [ مشهد رحمة الله بمعافاة عباده من فجأة
البلاء ! ] قال سبحانه : { ورحمتي وسعت كل شيء }.
- و [ مشهد قدرته - تعالى - بوقاية خلقه من
الداء ! ]، قال عز وجل : { والله على كل شيء قدير }.
- و [ مشهد افتقار العباد إليه حيث ينيبوا
إلى ربهم لدفع الوباء ! ]، قال جل شأنه : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله
والله هو الغني الحميد }.
وهذه المشاهد تستدعي الرجاء في رحمته تعالى وفضله، والخوف من غضبه وعقابه،
ومحبته لمنته وكرمه.
تاسعا : يستفاد من قوله في الحديث : ( لا يضر مع اسمه شيء)
و ( لم تصبه فجأة البلاء) : [ مشهد اليقين في الله ! ]، وهو مشهد يستحق إفراده
بالتنويه ..
فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : " الصبر شطر الإيمان،
واليقين الإيمان كله ".
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : " اليقين من الإيمان بمنزلة
الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون،
وهو مع المحبة ركنان للإيمان، وعليهما ينبني وبهما قوامه، وهما يُمدان سائر
الأعمال القلبية والبدنية، و عنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما
تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تفتح بالمحبة واليقين، وهما يثمران كل
عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم " المدارج 2/ 397.
عاشرا : من عظيم ما يستفاد من الحديث : أن [ القدر يرد
بالقدر ! ]، ومن ذلك أن ( قدر الضرر والبلاء ) يُرد ب ( قدر التضرع والذكر والدعاء
).
قال عمر - رضي الله عنه - :" نفر من قدر إلى قدر الله "!.
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : " .. بل الفقيه كل الفقيه الذي
يرد القدر بالقدر، ويدفع القدر بالقدر، ويعارض القدر بالقدر، بل لا يمكن الإنسان
يعيش إلا بذلك، فإن الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر،
والخلق كلهم ساعون في دفع هذا القدر بالقدر " الداء والدواء ص : 34.
والله المستعان ..، وعليه التكلان ..
كتبه [ يومه الأحد 6 رجب 1441 هـ / الموافق ل 1 مارس 2020 م ] :
أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني - عامله الله بلطفه الخفي وكرمه
الوفي -