ﻳﺎ ﻏﺎﻓﻼ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ (!!) ...
ﺃﺑﻮ ﺃﻭﻳﺲ ﺭﺷﻴﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻹﺩﺭﻳﺴﻲ ﺍﻟﺤﺴﻨﻲ
بسم الله الرحمن الرحيم
ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻻ ﻳﻘﺮﻉ ﺑﺎﺑﺎ، ﻭﻻ ﻳﻬﺎﺏ ﺣﺠﺎﺑﺎ، ﻭﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺑﺪﻳﻼ، ﻭﻻ ﻳﺄﺧﺬ ﻛﻔﻴﻼ، ﻭﻻ ﻳﺮﺣﻢ ﺻﻐﻴﺮﺍ، ﻭﻻ ﻳﻮﻗﺮ ﻛﺒﻴﺮﺍ.
ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ -: "ﻫﻮ ﺍﻟﺨﻄﺐ ﺍﻷﻓﻈﻊ، ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺍﻷﺷﻨﻊ، ﻭﺍﻟﻜﺄﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﻃﻌﻤﻬﺎ ﺃﻛﺮﻩ ﻭﺃﺑﺸﻊ" التذكرة .
ﻓﺈﻥ ﺃﻣﺮﺍ ﻳﻘﻄﻊ ﺃﻭﺻﺎﻟﻚ، ﻭﻳﻔﺮﻕ ﺃﻋﻀﺎﺀﻙ، ﻭﻳﻬﺪﻡ ﺃﺭﻛﺎﻧﻚ، ﻟﻬﻮ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺍﻟﺨﻄﺐ ﺍﻟﺠﺴﻴﻢ، ﻭﻟﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺃﻥ ﻳﻀﻊ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻧَﺼﺐ ﻋﻴﻨﻴﻪ، ﻭﻻ ﻳﻐﻔﻞ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ، ﻭﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻋﻨﻪ ﻳﻤﻨﺔ ﻭﻻ ﻳﺴﺮﺓ.
ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﻓﺄﺻﺎﺑﺘﻜﻢ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ) ﻓﺈﻥ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻣﻨﻪ ﻣﺼﻴﺒﺔ: ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻋﻨﻪ، ﻭﺍﻹﻋﺮﺍﺽ ﻋﻦ ﺫﻛﺮﻩ، ﻭﻗﻠﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ، ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻪ.
ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻘﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﺍﻟﺴﻴﻮﻃﻲ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ (ﺑﺸﺮﻯ ﺍﻟﻜﺌﻴﺐ ﺑﻠﻘﺎﺀ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ): "ﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻡ ﻣﺤﺾ، ﻭﻻ ﻓﻨﺎﺀ ﺻﺮﻑ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺗﻌﻠﻖ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺑﺎﻟﺒﺪﻥ، ﻭﺗﺒﺪﻝ ﺣﺎﻝ، ﻭﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺩﺍﺭ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺭ".
ﻭﻗﺪ ﺍﺟﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ:
1. (ﻫﻮ ﺣﻖ ﻻ ﺭﻳﺐ ﻓﻴﻪ ﻭﻻ ﺷﻚ)، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﺗَﺒَﺎﺭَﻙَ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﺑِﻴَﺪِﻩِ ﺍﻟْﻤُﻠْﻚُ ﻭَﻫُﻮَ ﻋَﻠَﻰ ﻛُﻞِّ ﺷَﻲْﺀٍ ﻗَﺪِﻳﺮٌ، ﺍﻟَّﺬِﻱ ﺧَﻠَﻖَ ﺍﻟْﻤَﻮْﺕَ ﻭَﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓَ ﻟِﻴَﺒْﻠُﻮَﻛُﻢْ ﺃَﻳُّﻜُﻢْ ﺃَﺣْﺴَﻦُ ﻋَﻤَﻼً)، ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ( ﺇِﻧَّﻚَ ﻣَﻴِّﺖٌ ﻭَﺇِﻧَّﻬُﻢ ﻣَّﻴِّﺘُﻮﻥَ)، ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ( ﻛُﻞُّ ﻣَﻦ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎ ﻓَﺎﻥ ﻭَﻳَﺒْﻘَﻰ ﻭَﺟْﻪُ ﺭَﺑِّﻚَ ﺫُﻭ ﺍﻟْﺠَﻠَﺎﻝِ ﻭَﺍﻟْﺈِﻛْﺮَﺍﻡِ)، ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ( ﻛُﻞُّ ﻧَﻔْﺲٍ ﺫَﺍﺋِﻘَﺔُ ﺍﻟْﻤَﻮْﺕ).
ﻭﻗﺪ ﻗُﺮﺭﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻓﻲ ﺳﻨﺔ ﻧﺒﻴﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ- ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﻷﻭﻟﻮﻱ، ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﻛَﻴْﻒَ ﺗَﻜْﻔُﺮُﻭﻥَ ﺑِﺎﻟﻠَّﻪِ ﻭَﻛُﻨﺘُﻢْ ﺃَﻣْﻮَﺍﺗﺎً ﻓَﺄَﺣْﻴَﺎﻛُﻢْ ﺛُﻢَّ ﻳُﻤِﻴﺘُﻜُﻢْ ﺛُﻢَّ ﻳُﺤْﻴِﻴﻜُﻢْ ﺛُﻢَّ ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﺗُﺮْﺟَﻌُﻮﻥَ)، ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺸﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻌدم ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻼ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻷﻛﺒﺮ.
ﻭﺳﻦ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻋﻨﺪ ﺍﻻﺿﻄﺠﺎﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ: "ﺑﺎﺳﻤﻚ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﻣﻮﺕ ﻭﺃﺣﻴﺎ"، ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻻﺳﺘﻴﻘﺎﻅ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ: "ﺍﻟﺤﻤﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﻴﺎﻧﻲ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺃﻣﺎﺗﻨﻲ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻨﺸﻮﺭ"، ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻗﻴﺎﺳﺎ ﻟﻠﻤﻮﺕ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻧﺸﻚ ﻓﻴﻪ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻷﺻﻐﺮ، ﻭﻣﺎ ﺫﺍﻙ ﺇﻻ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻨﺎ (ﺳﻨﻤﻮﺕ ﻛﻤﺎ ﻧﻨﺎﻡ، ﻭﺳﻨﺒﻌﺚ ﻛﻤﺎ ﻧﺴﺘﻴﻘﻆ)..
2. (ﻭﻗﺘﻪ ﻣﺠﻬﻮﻝ)، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻋِﻨﺪَﻩُ ﻋِﻠْﻢُ ﺍﻟﺴَّﺎﻋَﺔِ ﻭَﻳُﻨَﺰِّﻝُ ﺍﻟْﻐَﻴْﺚَ ﻭَﻳَﻌْﻠَﻢُ ﻣَﺎ ﻓِﻲ ﺍﻟْﺄَﺭْﺣَﺎﻡِ ﻭَﻣَﺎ ﺗَﺪْﺭِﻱ ﻧَﻔْﺲٌ ﻣَّﺎﺫَﺍ ﺗَﻜْﺴِﺐُ ﻏَﺪﺍً ﻭَﻣَﺎ ﺗَﺪْﺭِﻱ ﻧَﻔْﺲٌ ﺑِﺄَﻱِّ ﺃَﺭْﺽٍ ﺗَﻤُﻮﺕ).
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻵﻳﺔ: "ﺃﻱ ﻟﻴﺲ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺪﺭﻱ ﺃﻳﻦ ﻣﻀﺠﻌﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺽ، ﺃﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﺃﻭ ﺑﺮ ﺃﻭ ﺳﻬﻞ ﺃﻭ ﺟﺒﻞ".
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻗﺎﻝ: "ﻣﻔﺎﺗﺢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺧﻤﺲ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻏﺪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺒﻄﻦ ﺍﻷﺭﺣﺎﻡ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻣﺎ ﺗﺪﺭﻱ ﻧﻔﺲ ﻣﺎﺫﺍ ﺗﻜﺴﺐ ﻏﺪﺍ، ﻭﻣﺎ ﺗﺪﺭﻱ ﻧﻔﺲ ﺑﺄﻱ ﺃﺭﺽ ﺗﻤﻮﺕ، ﻭﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﺣﺪ ﻣﺘﻰ ﻳﺠﻲﺀ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺛﻢ ﺗﻼ ﺍﻵﻳﺔ"
ﻭﻣﻤﺎ (ﻳﺴﺘﺄﻧﺲ ﺑﻪ) ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭﻙ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻞ ﻟﻠﻨﺴﻔﻲ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﺃﻥ ﺃﺑﺎ ﺟﻌﻔﺮ ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺭ ﺭﺃﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﺴﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺃﺟﻠﻪ ﻓﺄﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻤﺲ، ﻓﻘﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﻓﺰﻋﺎ ﺧﺎﺋﻔﺎ، ﻓﻨﺎﺩﻯ ﺍﻟﺤﺮﺱ ﻓﻘﺎﻝ: ﻋﻠﻲ ﺑﺄﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻓﺠﺎﺀ ﺍﻹﻣﺎﻡ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ -، ﻓﺤﻜﻰ ﻟﻪ ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ- ﻳﺮﻳﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮﻫﺎ ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﺟﻠﻪ (!!) -، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ: ﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻚ ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻚ - ﺃﻱ ﺍﻟﻤﻠﻚ - ﺧﻤﺲ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ".
3. (ﻭﻗﻮﻋﻪ ﻗﺮﻳﺐ) ﻓﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺃﻧﺲ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ – "ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﺧﻂ ﺧﻄﺎ ﻃﻮﻳﻼ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻗﺎﻝ: ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﺛﻢ ﺧﻂ ﺧﻄﺎ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻨﻪ ﻭﻗﺎﻝ ﻫﺬﺍ ﺃﺟﻠﻪ، ﺛﻢ ﺧﻂ ﺧﻄﺎ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻓﻘﺎﻝ: ﻫﺬﺍ ﺃﻣﻠﻪ، ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺃﻣﻠﻪ ﺇﺫ ﺟﺎﺀﻩ ﺍﻷﻗﺮﺏ (ﺃﻱ: ﺍﻷﺟﻞ) ﺃﻭ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ - ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ -".
ﻭﻓﻲ ﺻﺤﻴﺢ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻗﺎﻝ: "ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻣﻦ ﺷﺮﺍﻙ ﻧﻌﻠﻪ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ".
ﻓﻤﻦ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻪ ﻓﻤﺎ ﻧﺰﻝ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ.
ﻭﻷﺟﻞ ﻋﻈﻢ ﺷﺄﻧﻪ ﺣﺜﻨﺎ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺫﻛﺮﻩ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻗﺎﻝ ﺳﻤﻌﺖ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻳﻘﻮﻝ: "ﺃﻛﺜﺮﻭﺍ ﺫﻛﺮ ﻫﺎﺩﻡ (ﻫﺎﺫﻡ / هادم) ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺕ".
ﻓﺎﻟﻬﺎﺩﻡ: ﺑﺎﻟﺪﺍﻝ ﺍﻟﻤﻬﻤﻠﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺰﻳﻞ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺃﺻﻠﻪ ﻭﻻ ﻳﺒﻘﻲ ﻟﻪ ﺃﺛﺮﺍ، ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻄﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻻ ﻳﺒﻘﻲ ﻟﻬﺎ ﺃﺛﺮﺍ.
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻬﺎﺫﻡ: ﺑﺪﺍﻝ ﻣﻌﺠﻤﺔ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺮﻕ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻛﺬﻟﻚ ﺣﻴﺚ ﻳﻔﺮﻕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﺪﻥ.
ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ إرشاد ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻹﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻧﻪ ﺣﻴﺎﺓ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﻛﺬﻛﺮ ﺍﻟﺮﺏ - ﺟﻞ ﻭﻋﻼ -، ﻓﻘﺪ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻹﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ - ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻹﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ – ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ - ﻭﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻷﻥ ﻛﻼ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﺮﻗﻖ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻨﻴﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺏ ﻭﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻳُﺬِّﻛﺮ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ - ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺗﺬﻛﻴﺮ ﻟﻨﺎ- ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ، ﻓﻌﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ -ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ - ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﺇﺫﺍ ﺫﻫﺐ ﺛﻠﺚ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻗﺎﻡ ﻓﻘﺎﻝ: "ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﺫﻛﺮﻭﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﺎﺀﺕ ﺍﻟﺮﺍﺟﻔﺔ ﺗﺘﺒﻌﻬﺎ ﺍﻟﺮﺍﺩﻓﺔ، ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ، ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ" ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﺪﺭﻛﻪ ﻭﺻﺤﺤﻪ ﻭﺃﻗﺮﻩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ.
ﻭﻗﺪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﺃﻥ ﺃﻛﻴﺲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﻛﺮﻣﻬﻢ: ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺫﻛﺮﺍ ﻟﻠﻤﻮﺕ ﻭﺃﺷﺪﻫﻢ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍ ﻟﻪ.
ﻓﻌﻦ ﺍﺑﻦ ﻋﻤﺮ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ - ﻗﺎﻝ: ﺃﺗﻴﺖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻋﺎﺷﺮ ﻋﺸﺮﺓ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ: ﻣﻦ ﺃﻛﻴﺲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺫﻛﺮﺍ ﻟﻠﻤﻮﺕ ﻭﺃﺷﺪﻫﻢ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍ ﻟﻪ، ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻫﻢ ﺍﻷﻛﻴﺎﺱ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﺑﺸﺮﻑ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻛﺮﺍﻣﺔ ﺍﻵﺧﺮﺓ" ﺭﻭﺍﻩ ﺍﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻭﺳﻨﺪﻩ ﺟﻴﺪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﻓﻲ ﺗﺨﺮﻳﺞ ﺍﻹﺣﻴﺎﺀ.
ﻭﻟﻺﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻮﺍﺋﺪ ﻣﻨﻬﺎ:
- ﺗﻌﺠﻴﻞ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﻗﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻧﺸﺎﻁ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ..
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺪﻗﺎﻕ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ -: "ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻛﺮﻡ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﺃﺷﻴﺎﺀ: ﺗﻌﺠﻴﻞ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﻭﻗﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻧﺸﺎﻁ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ".
- ﺍﻟﻤﻜﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻻ ﻳﻔﺮﺡ ﺑﻤﻮﺟﻮﺩ ( = ﻓﺮﺡ ﻳﻨﺴﻴﻪ ﺭﺑﻪ ) ﻭﻻ ﻳﺤﺰﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻘﻮﺩ ( = ﻳﻨﺴﻴﻪ ﺧﺎﻟﻘﻪ )
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺘﻴﻤﻲ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ -: "ﺷﻴﺌﺎﻥ ﻗﻄﻌﺎ ﻋﻨﻲ ﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ: ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻭﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ".
ـ ﺍﻹﻛﺜﺎﺭ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺳﺒﺐ ﻟﻘﺼﺮ ﺍﻷﻣﻞ، ﻓﻬﺬﺍ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﺍﻟﻜﺮﺧﻲ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻗﺪﻡ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻴﺼﻠﻲ ﺑﻬﻢ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻈﻬﺮ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ: ﻟﻮ ﺻﻠﻴﺖ ﺑﻜﻢ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻈﻬﺮ ﻻ ﺃﺻﻠﻲ ﺑﻜﻢ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺼﺮ، ﻓﺠﺬﺑﻪ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻧﻌﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻫﺬﺍ ﻃﻮﻝ ﺃﻣﻞ.
ـ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻮﻋﻈﺔ، ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻆ ﺑﻪ ﻓﻼ ﻣﻮﻋﻈﺔ ﻟﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ -، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻳﺠﻤﻊ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻓﻴﺘﺬﺍﻛﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ﻓﻴﺒﻜﻮﻥ ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥ ﺑﻴﻦ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﺟﻨﺎﺯﺓ.
ﻛﺘﺒﻪ :
ﺃﺑﻮ ﺃﻭﻳﺲ ﺭﺷﻴﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻹﺩﺭﻳﺴﻲ ﺍﻟﺤﺴﻨﻲ - ﻋﺎﻣﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻠﻄﻔﻪ ﺍﻟﺨﻔﻲ ﻭﻛﺮﻣﻪ ﺍﻟﻮﻓﻲ -