الجمعة، 19 يوليو 2013

الموقف الشرعي من فتوى (مؤتمر القاهرة!) في إيجاب الجهاد في (سورية) على عموم المسلمين..



الموقف الشرعي من فتوى (مؤتمر القاهرة!) في إيجاب الجهاد في (سورية) على عموم المسلمين..

علي بن حسن الحلبي



... فقد كثُر السؤال عن ذلك؟!
وأجبتُ -أمسِ-اختصاراً- بما نصّه:
"دعوة عموم أهل الإسلام إلى الجهاد في سورية -التي أطلقها بعض المؤتمرين في القاهرة المصرية-أمس-:دعوةٌ ستثير على شباب الأمة فساداً عريضاً جداً: إذا لم تُضبط بضوابط الشرع والواقع؛ تنسيقاً مع أولياء أمور المسلمين ، وجمعاً لكلمتهم مع علمائهم؟!
فأين من هذه الفتوى موافقة علماء الحرمين؟!
وأين منها موافقة علماء الأزهر؟!

إن إصدار الفتاوى العامة من منطلقات عاطفية محضة-دون إدراك حقائق الأمور وتبِعاتها-: سيكون سببَ بلاء يعمّ ويطمّ.
وواللهِ الذي رفع السماء بلا عمد..إن حبنا للجهاد في سبيل الله يكاد يكون أعظمَ مطلوب لنا نخرج به من هذه الحياة الدنيا.
لكنّ المانعَنا من تطبيقه: هو حرصنا على أن نحكّم العلم والشرع..لا الهوى والعاطفة..
وسلوانا أن:"
مَن سأل الله الشهادة بصدق: بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه".

علماً أن الفتوى (النظرية) - في إيجاب الجهاد - مما لا يختلف فيه اثنان ، ولا ينتطح فيه كبشان!
ولكنّ الشأن في تنـزيل هذه الفتوى على أرض الواقع -ضمن الشروط والضوابط والدوافع-.

نعم؛ على أهل سورية المقهورين المظلومين-داخلَ سورية-واجبُ الدفاع عن أنفسهم ضدَّ هذا العدو النصيري الحاقد :
وقد ثبت عن أبي موسى الأشعريّ-رضي الله عنه-، أن رجلاً قال: يا رسول الله ؛ الرجل يقاتل ليُرى مكانه ، ويقاتل للذكر ، ويقاتل للمغنم؛ فمَن في سبيل الله؟
قال
: «مَن قاتل لتكونَ كلمة الله هي العليا؛ فهو في سبيل الله»

وكنتُ قد كتبتُ ما هو ذو صلةٍ بهذا الموضوع -قبل أكثر من سَنة-في حاشية كتابي"كلمة حق علمية في أحداث (سورية)..."؛ فقلتُ-تعليقاً على موضوع الجهاد بالنفس-في موضوع مشابه-:
"وهذا الأمر-على وجه الخصوص-
وبعد توفّر شروطه الشرعية -كافّةً-مرتبطٌ بإذن أولياء البلاد الإسلامية؛ سواء أكان إذنهم مباشراً ، أو غيرَ مباشر.
وإلا: توسّعت المفاسد-أكثر وأكثر-،وحصل ما لا تُحمَد عُقباه ، وزاد حدّ الفتنة إلى منتهاه''.


الأحد، 30 يونيو 2013

مَبْدأ الرُّجوع والمُراجَعة..

مَبْدأ الرُّجوع والمُراجَعة


عُـمَـر السِنَوي الخالِـدي
 



كنتُ أمام أحدِ كبار المفكِّرين حينَ قال - من ضمْنِ ما قال؛ في حديثه عن الحضارة الإسلامية -:
"إنّ منَ الخطأ ما نسمعه مِن قول القائلين: (أيها الناس عليكم بالرجوع إلى الدين)؛ لأنّ الدين ليس في الخلف .. وإنما في الأمام ؛ فيجب أنْ نتقدَّم نحوه وإليه؛ فهو السابق الذي لا يتقدَّمه أيّ شيء، ولا يلحق به أيّ فِكْر أو دينٍ آخر ... ، ومن هنا جاءت تسمية المتمسّكين به عند البعض: (الرجعيّون) - للذمّ - ، والحقّ أنْ يُسَمَّوا: (المتقدِّمون والمتحضِّرون)".

كلامٌ مِن أجملِ ما سمِعتُ في مدحِ الدينِ وإظهارِ عظَمَتِهِ وتحفِيزه في قلوب الناس في عصرٍ أرى أبناءَ الأمَّة قد جعلوا دينَهم وحَضَارتَهم وراءَهم ظِهْريًّا..

ولكنْ رغْمَ فرَحي بهذا الوعْي المَتين بدينِ رب العالمين والتقدير العظيم لهذا المنهج القويم؛ إلا أنني لم أذهل عن قول رسولنا الكريم - عليه أفضل الصلاة والتسليم - إذْ قال: ((... حتى ترجعوا إلى دينكم))؛ فاستأذنتُ (الدكتور) بهذه المُداخَلة؛ ذاكراً له نَصَّ رسول الله -عليه صلاة الله- وصريحَ لفظه ومبناه؛ فجَرَّنا الحديثُ لنتَّفق على معناه:
إنَّ الرجوع لا يعني دائماً أن يكون إلى الخلف وإنما المراد به هنا: العَودةُ إلى الشيء الصحيح الذي انحرَفْنا عنه.. كَمَثلِ سائقِ سيارَّةٍ انحرفَ عن مساره الصحيح؛ ظانّاً أنَّه الأفضل والأقرب أو الأجمَل والأمتع؛ فلما أدَرَكَ الخطأ والخطر (رجع) إلى المسار الصحيح الذي هو دائماً مُتقَدِّمٌ لا يوازيه في التقدُّم والأفضليَّة مسارٌ آخر.. وما التخلُّف والرجعية إلا في سواه!

والفِعْلُ (رجَعَ) في اللغة العربية قد يحمل معانيَ أفعالٍ أخرى بحسب السياق والمعنى، مثل أن يتضمن معنى الاهتداء أو الانصراف أو الرِّدَّة أو الوَعْي أو الصحْوة أو التوْبة أو الاستدراك أو الاستشارة أو الأصالة أو النقْض...

وما دمنا في سياق ذِكْر الحديث الصحيح المشار إليه سابقاً -حديث المراجعة-؛ فلْننظر فيه ونتأمَّله بعد أن نسوقه بتمامه:
عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ في سَبِيلِ اللهِ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ عَنْكُم حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) [«السلسلة الصحيحة» رقم (11)].

(العِينة): حِيلَةٌ يحتال بها بعض الناس على التعامل بالرِّبا..
وما أخطر الرِّبا الذي هو إعلان الحرب على الله (!)، وما أبعد الناس عن فقه الربا (!)، وما أشدَّ مكر الأعداء وتحايلهم على أحكام الله!

(أخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع): تعني الحرث والزراعة، وليس المقصود بهذه الجملة ذمّ مَن اشتغلَ بالحرْث واهتمَّ بالزرع، وإنما المقصود ذمّ مَن اشتغل بالحرث ورضي بالزرع استقتالاً منه على الدنيا حتى صار ذلك أكبر هَمِّهِ، ولم يجعله طريقةً للعَيش الكريم، ومساهمةً في صنع حضارة الأمَّة والقيام بواجباتها، و وسيلةً لإعانتِهِ على العمَل الصالح الذي هو ذخْرُه للآخِرة؛ بل إنَّ الحرث والزرع سيكون من جملة العبادات التي يتقرَّب بها إلى الله إنْ أخلص النيَّة لله جلّ في علاه.

ثم؛ نتيجة الركونِ إلى الدنيا وملذَّاتها والانشغال بدينارها ودرهمها: (تُرِكَ الجهادُ في سبيل الله) وهو سنام هذا الدِّين، والمقصود به هنا: (الجهاد القِتاليّ) الذي هو حِصنُ الأُمَّةٍ والحَضَارةٍ، ورُكْنٌ من أَرْكان هيبَتِها وعَلْيائها.. بل إنَّ القتالَ شيءٌ طَبْعِيٌّ في البشَر لا تخلو عنه أُمَّةٌ ولا جيلٌ، وهو ضرورةٌ اجتماعيَّةٌ طالما كانت هناك أطماعٌ ومَظالِم.

والحديثُ عن الجهادِ لا يزال أهَمَّ تُكْأَةٍ يعتمدُ عليها أصحابُ الغزوِ الفكريّ في خلْط الحق بالباطل وتشويه صورته السمحة الناصعة ومحاولة فتح الثغرات واستغلالها عن طريق ما دَسُّوه واقتطعوه من نُصوص وقِصص أو عن طريق ممارساتِ بعض الجهَلَة والمنحرفين من أبناء هذا الدين (!) بُغْيَةَ التشكيك بهذه العبادة الكبرى والفعل الحضاريّ العظيم.. وكيف لا يُجَيِّشون جيوشَهم بأنواعها لهذا الغرض وهُم يُدركون أنَّ هذا الركن إذا استيقظ في المسلمين كما شرَعَه لهم رب العالَمين وأصبحَ ذا أثرٍ فاعلٍ في حياتهم؛ فلن تقفَ أيّ قوّةٍ - مهما بلغَتْ - في وجه الفتح الإسلامي ويقظةِ حضارةِ هذا الدين وانتشارِها.

إنَّ حديث المراجَعةِ -هذا- يَدُورُ موضوعُه حول (الركون إلى الدنيا)، وفي هذا الركون يكون فقْدان أسباب الرِّفْعة، والنَّصْر، والقوَّةِ؛ معنويَّةً -كانت- (بِصحَّة الإيمان والمعتقَد) أو ماديَّةً (بِتَوَفُّر العَتادِ والعَدَد)؛ فأمَّا المعنوية فإنَّ الله -عزّ وجلّ- يقول: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ ، وأما الماديَّة فيقول: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ .

فلَمَّا غابت هذه الأسباب والعوامل؛ سلَّط الله علينا الذلَّ، وتلكَ سنَّتُه في خَلْقِهِ لا تتغيَّر ولا تتبدَّل؛ وقد حدَّثَنَا بذلكَ في كتابه المُعْجِز في كثير من الآيات والقَصص التي ضربَها لنا للعبرة وزاد عليها بأنْ حثَّنا على أن نسير في أرضهِ فنبحث ونَتَثبَّت ونعمل.

فلْنتأمَّل كلَّ كلمة في هذه الآيات وما تعنيه وتدلّ عليه: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ .

فالأمَّة المُسْلِمة ليس لها الحصانة بالاسم الذي حَمَلتْه أو حُمِّلتْه، وهي وحضارتها عُرْضَةٌ لِتحدِّياتِ الخنوع والتدهور والانهيار مثلها مثل غيرها بمجرَّدِ غياب شروط الفعل الحضاري؛ فإنَّ استمرارية الحضارة رهنٌ بما يصنعه أبناؤها أنفسهم في ضوء المعايير والضوابط والعوامل التي إذا أُسِيءَ التعامل معها سِيقَتْ الحضارة إلى مصيرها المحتوم وتَبِعَتْها الأمَّةُ إلى حيثُ اقتضتْ سننُ الله الكونيَّة؛ فليس ثمَّة في سنن الله في الخلق محاباة أو مداجاة -حاشاه- وإنما هي الأسباب التي تقود إلى نتائجها المنطقيَّة العادلة.

فعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ((وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا؛ فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُم)) [متفق عليه].

يلتقي هذا الحديث النبويّ الشريف -جُمْلةً- بحديثِ (المراجعة) -محورُ مَوضوعِنا- فيُشخِّص لنا السبب والداء: وهو الركون إلى الدنيا.. ثم النتيجة والبلاء: وهو الهلاك والتدهور والذل والهوان... كما فُعِلَ بمَن كان قبلنا ، وهذه هي سنَّة الله والتي جاءت في الآيات السابقة ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ .. نعَم؛ ﴿ بَيْنَ النَّاسِ وهذا يعني عموم هذه السنَّة التي لا محيص عنها، ومع ذلك فإنَّ هذا المبدأ (أي: المداولة) الذي ذكرَه الله؛ لا يأتي بصيغة حتميَّة مقفلة ونزوعٌ مُترَع بالتشاؤم كما هو الحال في المذاهب الوضعيَّة، لكنَّه -على العكسِ- يوحي بالحركة الدائمة والتجدد والأمل، ويقرر بأنَّ التاريخ ليس حكراً على أحد، ومن ثم فلا مُسَوِّغ لليأس والانهزاميَّة؛ فإنَّ الذين نراهم في القمَّة الآن ستنزل بهم حركة الزمن إلى الحضيض، والذين هُم في القاع ستصعد بهم الحركة -نفسها- من خلال فعلهم وحركتهم واختيارهم.. إلى القمَّة؛ فإنَّ المداولة الإلهيَّة تحمل شروط إيجابيَّتها التاريخية كافَّة: حركة العالَم المستمرَّة، ونتائج الصراع الفعَّال، وديمومة الأمل البشَريّ الذي يرفض الحزن والهوان.. ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾ بشرط ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ .

فلا خروجَ من الحضيض والهوان والتدهور الذي أصابَنا إلا بالعلاج الذي جاء ذِكرُه في حديث المراجعة: (حتى ترجعوا إلى دينكم).

كلامٌ فَصْلٌ، لا تشتيتَ فيه ولا تَجزئة؛ فلَمْ يُعدِّدْ أصْنافاً، ولم يرجع إلى أقربِ مذكورٍ وهو (الجهاد) ليقول (حتى تجاهدوا)! ولا إلى ما قبله ليقول (حتى تتركوا الربا أو الانشغال بالدنيا)، بل عاد إلى الأصل: (الدين) (الإيمان) (العقيدة) (التوحيد) .. ومن هنا يكون المُنطَلَق؛ فلا يتحقق اللاحق إلا بالسابق كالشجَرَة.

ووَرَدَ حديثٌ آخر -حَسَنٌ- يشبه حديث المراجعة الذي نحن بصدده؛ قال: ((إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ)) قالوا: فكيفَ لنَا يا رسُولَ الله؟ وكيفَ نصنعُ؟ قال: ((تَرْجِعُونَ إِلَى أَمْرِكُمُ الأَوَّل)) [«السلسلة الصحيحة» رقم (3165)].

وجاء في الأثرِ عن بعض أهل العلم : ((لَنْ يَصْلحَ آخِر هذه الأمَّةِ إلا بما صَلحَ به أوَّلُها، ومَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا لاَ يَكُونُ اليَوْم دِينًا)) وفي رواية: ((لَنْ يُصلِحَ آخِرَ هذه الأمَّةِ إلا ما أَصْلَحَ أوَّلَها...))، جملةٌ إنْ لمْ تكُنْ مِن كلامِ النُّبوَّة فإنَّ عليها مَسْحةً مِن النُّبوَّة، ولمحَةً مِن رُوحِها، ووَمضَةً من إشراقِها...

فعوامل صَلاحِ الأمَّة وإصْلاحِها هي ما قام به نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ في مكة -أولاً-، ثم في المدينة، حسب منهجٍ عظيم جعلَهُ الله شريعةً لكل مَن أراد الصلاح والعزَّة والفوز والرفعة.

إذَنْ؛ الشرطُ واضحٌ، والعلاجُ بَيِّنٌ؛ فنهوضنا لا يكون إلا بهذه الطريقة، مبتدئين بأنفسنا... مُتَأمِّلينَ قولَ رَبِّنا: ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾، هذه الآية ذكَرَها ربُّنا في سورة الرعْد، وذكَرَ قبْلَها وبعْدَها آياتٍ كونيَّة، والآياتُ الكونيَّة لا تتغير ولا تتبدل؛ فجعلَ اللهُ هذه الآية من ضمن الآيات الكونيَّة، فلا يمكن لهذه الأمَّة أن تتغير وأن تتبدل أحوالها إلا وفق هذا التغيير، ولا يوجَد عِزٌّ للمسلمين ونهوضٌ لحضارتهم إلا وفق هذه القاعدة؛ فكلُّ شيء يُشغلنا عن هذه القاعدة لا بدّ أنْ نأباه.

لا علاج لأدواء المسلمين إلا (أنْ يكونوا مسلمين)؛ يعودون إلى العمل بدين الله الذي ارتضى لهم، ويتمسَّكون بهَدْيِ نبِيِّهم وأصحابه في منهجهم؛ لا يُعرضون عنه عِناداً ولا يتركونه تَأوُّلاً، ويُجاهدون أهواءهم ونزواتِ أنفسهم، ويخضعون لأمرِ ربِّهم.

فليسَ الرجوع إلى الإسلام أن نكتبَ -مثلاً- على الرايات: (لا إله إلا الله)، وإنما الرجوع إلى الإسلام بأنْ نَمْلأ قلوبَنا بـ(لا إله إلا الله) ونجعلُها باعثَ أعمالنا وهدفَ حياتنا.



الثلاثاء، 19 مارس 2013

معنى الولاء والبراء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز



معنى الولاء والبراء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الولاء والبراء معناه محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين ومعاداتهم، والبراءة منهم ومن دينهم، هذا هو الولاء والبراء كما قال الله سبحانه في سورة الممتحنة: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ[1] الآية.
وليس معنى بغضهم وعداوتهم أن تظلمهم أو تتعدى عليهم إذا لم يكونوا محاربين، وإنما معناه أن تبغضهم في قلبك وتعاديهم بقبلك، ولا يكونوا أصحابا لك، لكن لا تؤذيهم ولا تضرهم ولا تظلمهم، فإذا سلموا ترد عليهم السلام وتنصحهم وتوجههم إلى الخير، كما قال الله عز وجل: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ[2] الآية. وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى وهكذا غيرهم من الكفار الذين لهم أمان أو عهد أو ذمة، لكن من ظلم منهم يجازى على ظلمه، وإلا فالمشروع للمؤمن الجدال بالتي هي أحسن مع المسلمين والكفار مع بغضهم في الله للآية الكريمة السابقة، ولقوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[3]، فلا يتعدى عليهم ولا يظلمهم مع بغضهم ومعاداتهم في الله، ويشرع له أن يدعوهم إلى الله، ويعلمهم ويرشدهم إلى الحق لعل الله يهديهم بأسبابه إلى طريق الصواب، ولا مانع من الصدقة عليهم والإحسان إليهم لقول الله عز وجل: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[4]، ولما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن تصل أمها وهي كافرة في حال الهدنة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة على الحديبية.


[1] سورة الممتحنة الآية 4.
[2] سورة العنكبوت من الآية 46.
[3] سورة النحل من الآية 125.
[4] سورة الممتحنة الآية 8.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الخامس

الأحد، 17 مارس 2013

أسباب ضعف الأمة الإسلامية اليوم


أسباب ضعف الأمة الإسلامية اليوم

الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمـن آل جبرين (رحمه الله)
يراد بالضعف هنا: ضعف الإيمان، وضعف التمسك بالدين، والاقتناع من غالب المسلمين بمجرد الانتماء إلى الإسلام دون التحقيق بتعاليمه، ولا شك أن لذلك أسبابًا عديدة، أشدها كثرة الدعاة إلى الفساد والمنكرات والمعاصي بالقول والفعل، من أناس ثقلت عليهم الطاعات، ومالت نفوسهم إلى الشهوات المحرمة، كالزنا وشرب الخمر وسماع الأغاني ونحو ذلك؛ فقاموا بالدعوة إلى الاختلاط وزينوا للمرأة التبرج والسفور، وجعلوا ذلك من حقها، ودعوا إلى إعطائها الحرية والتصرف في نفسها، فجعلوا لها أن تمكن من نفسها برضاها ولو غضب أبوها أو زوجها، فلا حد عليها ولا على من زنا بها برضاها، وعند الانهماك في هذه الشهوات ثقلت عليهم الصلوات، وتخلفوا عن الجمع والجماعات، ومنعوا الواجبات وتعاطوا المسكرات والمخدرات؛ مما كان سببا لضعف الإيمان في قلوبهم.
وهكذا من أسباب ضعف الأمة الإسلامية: كثرة الفتن والمغريات، حيث توفرت أفلام الجنس وأصوات المغنين والفنانين والفنانات، وصور النساء العاريات أو شبه العراة؛ وذلك سبب الانهماك في هذه المحرمات، فضعف الإيمان في القلوب.
وهكذا من أسباب ضعف الأمة الإسلامية: انفتاح الدنيا على أغلب الناس، وانشغالهم بجمع الحطام الفاني والإعراض عن العلم والعمل، والسعي وراء جمع المال وتنمية التجارات والمكاسب؛ فكان سببا لنسيان حق الله -تعالى- وتقديم الشهوات وما تتمناه النفس، مع توفر الأسباب والتمكن من الحصول عليها.
ومن الأسباب أيضا: ضعف الدعاة إلى الإسلام الحقيقي، وقلة ما معهم من العلم الصحيح، ورضاهم بأقل عمل، مع مشاهدة كثرة الفساد وتمكن المعاصي وكثرة من يتعاطاها على مرأى ومسمع من الجماهير، ولا شك أن الأمة متى ضعف فيها جانب الإيمان والعمل الصالح، وفسدت فطرها، وانهمكت في الملاهي والشهوات، وأعرضت عن الآخرة؛ فإنها تضعف حسيا، ويقوى الأعداء من كل جانب، ويسيطرون على ما يليهم من بلاد المسلمين، ولا يكون مع المسلمين قوة حسية ولا معنوية تقاوم قوة الأمم الكافرة، وذلك ما حصل في كثير من البلاد الإسلامية التي تسلط عليهم الأعداء يسومونهم سوء العذاب، وتسلط عليهم ولاة السوء وأذلوهم وقهروهم حتى يرجعوا عن دينهم، والله المستعان.

الإيمان بالرسل ـ ـللشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ


الإيمان بالرسل

شيخ محمد بن صالح العثيمين ـ

الرسل : جمع (رسول) بمعنى : (مُرسَل) أي مبعوث بإبلاغ شيء .
والمراد هنا : من أوحي إليه من البشر بشرع وأُمر بتبليغه .
وأول الرسل نوح - عليه السلام - وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبـِـيِّـيـنَ مِن بَعْدِهِ) [سورة النساء : 163] .
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك t في حديث الشَّفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذكر أن الناس يأتون إلى آدم ؛ ليشفع لهم ، فيعتذر إليهم ويقول : ائتوا نوحـًا أول رسولٍ بعثه الله ) وذكر تمامَ الحديث (1) .
وقال الله تعالى في محمد صلى الله عليه وسلم : (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبيِّينَ) [سورة الأحزاب ] .
ولم تخلُ أمةٌ من رسول ، يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه ، أو نبي يوحى إليه بشريعة من قبله ؛ ليجـددهـا ، قـال الله تعـالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَـا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) [سورة النحل : 36]
وقال تعالى : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ) [سورة فاطر : 36] .
وقال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بـِهَا النَّبـِـيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُـواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ) [سورة المائدة : 44].
والرسل بشر مخلوقون ، ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء ، قال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الرسل ، وأعظمهم جاهـًا عند الله : (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نـَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ
مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنـَاْ إِلاَّ نـَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة الأعراف : 188].
وقال تعالى : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَن يُجـِـيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجـِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) [سورة الجن : 21 ، 22] .
وتلحقهم خصائص البشرية : من المرض ، والموت ، والحاجة إلى الطعام ، و الشراب ، وغير ذلك ، قال الله تعالى عن إبراهيم - عليه الصلاة و السلام - في وصفه لربه تعالى : ( وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذا مَرِضْـتُ فَهُوَ يَشْفِيـنِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثـُمَّ يُحْيِينِ) [سورة الشعراء : 79 ، 81] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون ؛ فإذا نسيت ؛ فذكِّروني) (2) .
وقد وصفهم الله تعالى بالعبودية له في أعلى مقاماتهم ، وفي سياق الثَّناء عليهم ؛ فقال تعالى في نوح صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [سورة الإسراء : 3] وقال في محمد صلى الله عليه وسلم : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [سورة الفرقان : 1] .
وقال في إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب - صلَّى الله عليهم وسلَّم - : (وَاذكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بـِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ) [سورة ص : 45 ، 47] .
وقال في عيسـى ابن مريـم صلى الله عليه وسلم : (إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَــا عَلَيْـــهِ وَجَعَلْنَـاهُ مَثَـلاً لِّبَنِـي إِسْرَائِيــلَ ) [سورة الزخرف : 59] .
والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور :
الأول : الإيمان بأن رسالتهـم حق من الله تعـالى ، فمن كفر برسالة واحد منهم ؛ فقد كفر بالجميع ، كما قال الله  تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [سورة الشعراء : 105] ، فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل ، مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذَّبوه ، وعلى هذا فالنصارى الذين كذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه ؛ هم مكذِّبون للمسيح ابن مريم ، غير متبعين له أيضـًا ، لا سيَّما أنه قد بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا معنى لبشارتهم به إلا أنه رسول إليهم ، ينقذُهم الله به من الضَّلالة ، ويهديهم إلى صراط مستقيم .
الثاني مما يتضمنه الإيمان بالرسل : الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل : محمد ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ونوح - عليهم الصلاة والسلام - وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل ، وقد ذكرهم الله -تعالى - في موضعين من القرآن في قوله : (وَإِذ أَخَذْنـَا مِنَ النَّبيِّينَ مِيثـَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [سورة الأحزاب : 7] ، وقوله :
( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بـِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بـِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [سورة الشورى : 13] .
وأما من لم نعلم اسمه منهم ؛ فنؤمن به إجمالاً ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَــا عَلَيْـــكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْـكَ) [سورة غافر : 78]  .
الثالث مما يتضمنه الإيمان بالرسل : تصديق ما صحَّ عنهم من أخبارهم .
الرابع : العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم ، وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس ، قال الله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجـِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمـًا ) [سورة النساء : 65] .
وللإيمان بالرسل ثمراتٌ جليلة منها :
الأولى : العلم برحمة الله تعالى ، وعنايته بعباده، حيث أرسل إليهم الرسل ؛ ليهدوهم إلى صراط الله تعالى ، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله ؛ لأنّ العقل البشري ، لا يستقل بمعرفة ذلك .
الثانية : شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى .
الثالثة : مَحبَّةُ الرسل - عليهم الصلاة و السلام - وتعظيمهم ، والثَّناء عليهم بما يليق بهم ؛ لأنهم رسل الله تعالى ، ولأنهم قاموا بعبادته ، وتبليغ رسالته ، والنُّصحِ لعباده .
وقد كذَّب المعاندون رسلهم زاعمين أن رسل الله تعالى لا يكونون من البشر ! وقد ذكر الله تعالى هذا الزعم ، وأبطله بقوله سبحانه : (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَــا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَــاء مَلَكًا رَّسُولاً) [سورة الإسراء : 94 ، 95] .
فأبطل الله تعالى هذا الزعم بأنه لابد أن يكون الرسول بشرًا ؛ لأنه مرسـل إلى أهل الأرض ، وهم بشر ، ولو كان أهل الأرض ملائكة ؛ لنزَّل الله عليهم من السماء ملكـًا رسولاً ؛ ليكون مثلهم ، وهكذا حكى الله تعالى عن المكذبين للرسل أنهم قالوا : (إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بـِسُلْطَانٍ مُّبينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بسُلْطَانٍ إِلاَّ بإِذنِ اللّهِ) [سورة إبراهيم : 10 ، 11].


(1) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب صفة الجنة و النار ، رقم (6197)
(2) رواه البخاري ، كتاب أبواب القبلة ، باب التوجه إلى القبلة حيث كان ، رقم (392) .

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني PKK | تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي

قصة الصراع بين تركيا وتنظيم حزب العمال الكردستاني pkk   تغريدات: الدكتور محمت كانبكلي. "لماذا تعتبر تركيا محاربة تنظيم حزب العمال الكرد...